صدّق عبد الفتاح السيسي، على حزمة من التعديلات التشريعية تخص قوانين الانتخابات البرلمانية، من دون أن تُحدث أي تغيير جوهري في بنية العملية الانتخابية، ولا في آليات توزيع المقاعد، وسط تجاهل واضح لتوصيات الحوار الوطني بشأن إصلاح النظام السياسي وضمان التعددية، في خطوة اعتبرها معارضون "استنساخًا للوضع القائم"
التعديلات الجديدة شملت القانون رقم 85 لسنة 2025، المعدّل لقانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014، وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية رقم 174 لسنة 2020، فضلًا عن القانون رقم 84 لسنة 2025، المعدّل لقانون مجلس الشيوخ رقم 141 لسنة 2020.
ورغم الزخم السياسي الذي رافق الحوار الوطني خلال الأشهر الماضية، فإن التشريعات الجديدة تجاهلت أبرز توصياته المتعلقة بتطبيق نظام القائمة النسبية المفتوحة، بدلًا من القوائم المغلقة المطلقة، ما اعتبره مراقبون "إجهاضًا مبكرًا لأي أفق لتوسيع الحياة السياسية أو دمج قوى المعارضة في المشهد الانتخابي".
تقسيمات ثابتة... ونسب تمثيل متكررة
احتفظت التعديلات بالعدد الإجمالي لمقاعد مجلس النواب عند 568 مقعدًا، تُوزّع بالتساوي بين القوائم المغلقة (50%) والنظام الفردي (50%)، دون أي زيادة تُذكر على عدد الدوائر أو التوزيع الجغرافي.
وخصص القانون 25% من مقاعد النواب للمرأة، كما خصص 10% من مقاعد الشيوخ لها، بما يتسق مع الدستور لكن دون أي تطوير لنوعية التمثيل أو توسيع قاعدة المشاركة السياسية.
أما مجلس الشيوخ، فحافظ على آلياته القديمة، حيث يُنتخب 200 عضو فقط، بنظام مزدوج يشمل 100 للقوائم المغلقة و100 للفردي، فيما يحتفظ رئيس الجمهورية بحق تعيين 100 عضو إضافي، ما يُبقي سلطات التعيين الرئاسية في موقع حاسم داخل الغرفة الثانية للبرلمان.
ديمقراطية مشوهة
الخطوة لاقت رفضًا من بعض أحزاب المعارضة القانونية، وفي مقدمتها "المصري الديمقراطي الاجتماعي" و"الإصلاح والتنمية" و"العدل"، والتي أصدرت بيانًا مشتركًا قالت فيه إن النظام الانتخابي الجديد "يقضي عمليًا على التعددية الحزبية، ويحوّل البرلمان إلى أداة شكلية لا تعكس نبض الشارع".
وجاء في البيان أن "القوائم المغلقة المطلقة" تُهدر أصوات الناخبين، وتسمح بهيمنة تيارات موالية للدولة على العملية السياسية برمتها، وهو ما يتعارض مع جوهر الديمقراطية وحرية الاختيار.
الأجهزة الأمنية
لم يكن مفاجئًا أن تمر التعديلات بسهولة في البرلمان، إذ تحظى بدعم واسع من الكتل النيابية الكبرى المحسوبة على النظام، مثل أحزاب "مستقبل وطن"، و"الشعب الجمهوري"، و"مصر الحديثة"، و"حماة وطن"، و"تنسيقية شباب الأحزاب"، وهي كيانات سياسية مدعومة بدرجات متفاوتة من الأجهزة الأمنية، وتُهيمن على المشهد التشريعي منذ سنوات.
تفصيل المقاعد على مقاس القوائم
شملت التعديلات توزيع المقاعد بنسب محسوبة بدقة داخل الدوائر الأربع المخصصة للقوائم، حيث رُوعي تمثيل طائفي وفئوي محسوب، يشمل المسيحيين، والشباب، وذوي الإعاقة، والمصريين بالخارج، لكن ضمن منظومة مغلقة تُدار مركزيًا وتُمنع فيها المنافسة الحرة بين الأحزاب، ما يجعل التنوع الظاهري بلا مضمون فعلي.
كما نصت القوانين على اشتراطات صارمة لكل قائمة، بما في ذلك حد أدنى من تمثيل الفئات، دون أن يرافقها ضمانات حقيقية لفرز مستقل أو لمراقبة محايدة للعملية الانتخابية، وهو ما يعزز المخاوف من تكرار سيناريو الانتخابات السابقة التي وُصفت من مراقبين بأنها "مجرّد استفتاء على أسماء مرشحة سلفًا".
ويرى محللون أن الإصرار على النظام القائم يُقوّض فرص بناء حياة حزبية ناضجة، ويُكرّس واقعًا انتخابيًا مغلقًا، يُفضي إلى برلمانات تُشرّع دون مساءلة، وتُعبّر عن النظام أكثر مما تعبّر عن المواطنين.