في تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية تحت عنوان "تجربة تجويع غزة"، يُسلّط الضوء على السياسة الإسرائيلية التي حولت المساعدات الإنسانية إلى أداة عسكرية ضمن حملتها في قطاع غزة، حيث تستخدم الغذاء للسيطرة على السكان دون تجاوز عتبة المجاعة الرسمية، في تلاعب خطير بالمفاهيم الإنسانية والمقاييس الدولية.

أطلقت إسرائيل، بدعم أميركي، آلية جديدة لإدخال المساعدات عبر مؤسسة "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) التي استُحدثت في مايو 2025 لتتجاوز وكالات الأمم المتحدة والمنظمات العاملة. قبل توزيع أي وجبة، استقال مدير المؤسسة احتجاجاً على انتهاكات المبادئ الإنسانية، ثم تحولت مراكز التوزيع المحصّنة إلى ساحات قتل. منذ انطلاق عمل المؤسسة، سقط عشرات القتلى والجرحى من الفلسطينيين أثناء محاولاتهم الوصول إلى هذه النقاط.

منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023 بعد هجمات حماس، فُرضت ثلاث حصارات شبه كاملة استمرت كل منها نحو تسعين يوماً. استجابت إسرائيل فقط للتحذيرات من المجاعة عبر تخفيف مؤقت للقيود، ثم عادت لتشديدها بعد انحسار الاهتمام الدولي. ويُظهر النمط أن المجاعة تُستخدم كوسيلة ضغط وتفاوض، مع إبقاء الوضع الإنساني دون الانفجار التام.

في ظل تدمير قدرة غزة على إنتاج الغذاء محلياً، بات التحكم في المعابر تحكماً في البقاء. حددت إسرائيل من خلال المؤسسة الجديدة حصة غذائية للفرد لا تتجاوز 1750 سعرة حرارية يومياً – أقل بنسبة 25٪ من الحد الأدنى المعترف به دولياً (2279 سعرة). يتلقى الفلسطينيون هذه الحصص في أربعة مراكز تتطلب مشياً لمسافات طويلة عبر مناطق قتال، دون ضمان مياه أو وقود للطبخ.

الخطة الإسرائيلية تعتمد على مبدأ "التجويع المنضبط"، وهي سياسة قديمة استخدمت في وثائق دفاع رسمية منذ عام 2011، لكنها الآن تُنفّذ على نطاق أوسع. تُدمج المساعدات ضمن حملة عسكرية تهدف لإفراغ شمال غزة وتركّز السكان في مناطق يسيطر عليها الجيش جنوباً، حيث تُستخدم المعابر البيومترية ليس فقط لتوزيع الغذاء، بل لجمع المعلومات الاستخباراتية أيضاً.

تستند الخطة إلى منع المجاعة من حيث التعريف فقط، لا من حيث الواقع. تقرير "تصنيف الأمن الغذائي المرحلي" (IPC) يؤكد أن 100٪ من سكان غزة يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع وجود أكثر من نصفهم في المرحلة الرابعة (الطوارئ)، وربعهم تقريباً في المرحلة الخامسة (الكارثة). التجويع يبدأ قبل أن تصنفه الإحصاءات بأنه مجاعة، ويؤدي إلى آثار جسدية ونفسية طويلة المدى.

تبرر إسرائيل قيود المساعدات بالخوف من استيلاء حماس عليها، رغم أن تدقيقات متعددة تثبت أن أقل من 1٪ فقط من المساعدات قد تعرضت للسرقة، ومعظم النهب حدث بأيدي ميليشيات محلية تدعمها إسرائيل، مثل جماعة أبو شباب. رغم ذلك، تُمنع المنظمات من التوزيع المباشر، وتُفرض قيود تُحبط العمليات وتجعل الفوضى حتمية.

أدى هذا الوضع إلى انهيار النظام الإنساني القائم، في وقت يمتلك فيه المجتمع الدولي بديلاً جاهزاً. قدمت الأمم المتحدة في 16 مايو خطة متكاملة أعدتها بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، تشمل مراقبة إلكترونية للشحنات، ومسارات آمنة، وإعادة تشغيل 400 مركز توزيع، لكن إسرائيل رفضت الرد على الخطة، ويرجّح أن السبب هو رفض الأمم المتحدة مشاركة بيانات المستفيدين.

تصريحات قادة إسرائيليين تكشف نوايا واضحة. اعتبر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش اعتبر تجويع غزة "عادلاً وأخلاقياً"، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير طالب بمنع إدخال أي مساعدات ما دام هناك أسرى. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شدد على ضرورة تفادي صور المجاعة فقط لحماية الدعم الأميركي.

إدماج الغذاء ضمن حملة "مركبات جدعون" العسكرية يحول المساعدات إلى جزء من الهيمنة العسكرية. في حين تروج الحكومة أن الخطة تهدف لإنقاذ المدنيين، فإن واقع الميدان يشير إلى تقييد ممنهج للغذاء، واستغلاله كسلاح ضد السكان. توزيع الغذاء في ظل هذه الظروف يخلق صراعاً عليه بين المدنيين، ويوفر أرضية خصبة للابتزاز السياسي، ويخدم أطرافاً مسلحة.

التقرير يختتم بالتحذير أن هذا "التجويع المدروس" لا يمكن أن يستمر دون نتائج كارثية. انهيار أنظمة الصرف الصحي، انعدام المياه النظيفة، الحر الشديد، ونقص الرعاية الصحية، كلها تؤسس لكارثة وشيكة. الخطر الأكبر ليس المجاعة بل السياسة التي تحافظ على حافة المجاعة كأداة حرب. الحل يكمن في إنهاء الحصار واستعادة حياد المساعدات الإنسانية، وهو ما لا يتحقق إلا بوقف الحرب نفسها.

https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/east-mediterranean-mena/israelpalestine/gaza-starvation-experiment