في زيارة غير معلن عنها مسبقًا، التقى قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الأربعاء الماضي، نظيره الإماراتي محمد بن زايد في العاصمة أبوظبي، في تحرك مفاجئ اعتبره مراقبون بمثابة رد سريع من الجانب الإماراتي على زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة قبل يومين.
ووفق بيان صادر عن الرئاسة، شدد الجانبان خلال اللقاء على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، إضافة إلى أهمية تحريك ملف تبادل الأسرى والمحتجزين. كما تطرق اللقاء إلى تطورات الأوضاع في عدد من الملفات الإقليمية، من بينها لبنان وسوريا والسودان وليبيا واليمن والصومال.
اللافت أن الرئاسة أعلنت عن عودة السيسي إلى القاهرة بعد نحو أربع ساعات فقط من نشر خبر الزيارة، ما يعكس أن اللقاء كان سريعًا وتم على عجل، بما يوحي بطبيعة طارئة للزيارة ذاتها وجدول أعمالها.
رسائل عراقجي من القاهرة
في تطور دبلوماسي لافت، أعلن عراقجي عن قرب إزالة آخر العقبات التي تعرقل استعادة العلاقات الكاملة بين مصر وإيران، المقطوعة رسميًا منذ نحو 46 عامًا.
عراقجي قال، في تصريحات عقب اللقاء، إن العقبة الأخيرة في العلاقات "ستزال قريبًا، وربما خلال الأسابيع المقبلة"، دون أن يحدد طبيعتها أو آلية تجاوزها. وأشار إلى أن لقاءه بالسيسي هو الرابع، وأن "مستوى الثقة بين القاهرة وطهران اليوم غير مسبوق"، معلنًا عن اتفاق على استمرار المشاورات السياسية، وتوسيع التبادل التجاري والسياحي بين البلدين.
زيارة عراقجي، التي حملت رسائل رمزية وسياسية مزدوجة، شملت جولة ليلية في خان الخليلي، ولقاءً غير رسمي مع ثلاثة وزراء خارجية مصريين سابقين، بينهم عمرو موسى، وتضمنت أداءه للصلاة في مسجد الإمام الحسين، في مشهد لافت يُقرأ كإشارات تقارب شعبي ورسمي بين الجانبين.
على المستوى الدولي، التقى عراقجي في القاهرة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، حيث أعلن بوضوح أن بلاده لن تقبل بأي اتفاق مع واشنطن يحرمها من مواصلة تخصيب اليورانيوم، موجّهًا رسالة سياسية مباشرة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل من قلب العاصمة المصرية.
ورغم أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، لم تُصدر أي رد فعل رسمي، فإن القلق الإسرائيلي كان واضحًا، حيث حذر زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد من التقارب المصري الإيراني، واعتبره تهديدًا لاتفاق السلام مع القاهرة. كما زعمت تل أبيب، بعد يوم من لقاء السيسي وعراقجي، أنها أسقطت طائرة مسيّرة محملة بالأسلحة قادمة من الأراضي المصرية، في اتهام هو الثاني من نوعه خلال أشهر.
وبينما قرأت بعض الأوساط الخليجية زيارة عراقجي باعتبارها رسالة مصرية غاضبة من تجاهلها في القمم الخليجية، جاء تحرك إماراتي سريع باستدعاء قائد الانقلاب السيسي إلى أبوظبي، حيث استقبله محمد بن زايد في قصر الشاطئ، في زيارة بدت كمحاولة لاحتواء التحولات المصرية الجديدة.
ويفسّر مراقبون هذه التحركات ضمن ما وصفوه بـ"صراع التوازنات والتحالفات" في المنطقة، خاصة في ظل الفتور الواضح بين القاهرة وعواصم الخليج، وتراجع الدعم السياسي والمالي الموجه للنظام المصري.
رسائل الكيد
وفي تعليق على المشهد، قال السياسي الدكتور حمزة زوبع إن النظام المصري يتحرك وفق "سياسة الكيد"، مشيرًا إلى أن استقبال عراقجي كان بمثابة رسالة ضغط موجهة إلى الخليج. وأضاف: "استدعاء السيسي إلى الإمارات بعد الزيارة الإيرانية يعكس حالة الارتباك في المعادلات الإقليمية، ويدل على أن القرار المصري في هذه الملفات ليس مستقلًا تمامًا".
من جهته، أشار السياسي إسلام لطفي إلى أن القاهرة تراجعت عن دورها الإقليمي لصالح العواصم الخليجية، بسبب سياسات داخلية متمثلة في القمع، وغياب العدالة، وانهيار المؤسسات. وأضاف أن "مصر كان يمكن أن تحافظ على موقعها الطبيعي في ملفات غزة وليبيا وسوريا وغاز المتوسط، لكنها اختارت التراجع، وهو ما منح الآخرين زمام المبادرة".
واعتبر لطفي أن بعض دول الخليج لا تريد لمصر أن تصبح دولة قوية ومستقرة، بل تسعى إلى بقائها مشغولة بأزماتها الداخلية. وختم بالقول إن السياسات المالية والاقتراضية غير المحسوبة لنظام السيسي، وتبعيته لمغامرات إقليمية، حققت أهداف خصوم القاهرة بدلًا من حماية مصالحها.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبقى زيارة عراقجي إلى القاهرة علامة فارقة، وقد تكون نذيرًا بتحولات جذرية في الاصطفافات الإقليمية، في لحظة سياسية حرجة تشهد فيها المنطقة إعادة رسم خرائط التحالفات وتوازنات القوى.
بين مصالح الإمارات وتحالفها مع السيسي
رغم متانة العلاقات الاستراتيجية بين مصر والإمارات، والتي تعززت بدعم أبوظبي للسيسي بعد 2013، فإن خلافات إقليمية باتت تبرز نتيجة تضارب المصالح بين الجانبين.
في غزة، تختلف الرؤى حول مستقبل القطاع بعد الحرب، حيث تدعم الإمارات خططا لاستبعاد "حماس" ونزع سلاحها، وتسهيل تهجير الفلسطينيين، وهي رؤية تتقاطع مع الأجندة الأمريكية والإسرائيلية، وتتناقض مع موقف القاهرة.
أما في ليبيا، فبينما تتعاون الدولتان ظاهريًا، تسعى أبوظبي لفرض نفوذها شرق البلاد، بما قد يتعارض مع أولويات مصر الأمنية.
وفي السودان، تدعم الإمارات قوات الدعم السريع، في حين تساند مصر الجيش بقيادة البرهان، ما يعمق التباين بين الطرفين.
وتتسع هوة الخلافات في ملف مياه النيل، حيث تعد الإمارات من أكبر ممولي سد النهضة الإثيوبي، وتقدم دعما سياسيا واقتصاديا كبيرا لأديس أبابا، ما يشكل تهديدًا وجوديًا لأمن مصر المائي.
كما يعترض سياسيون مصريون على حجم الاستحواذ الإماراتي على أصول الدولة الحيوية، وسط مخاوف من بيعها لشركات مرتبطة بإسرائيل، خصوصًا بعد صفقة "رأس الحكمة" التي رفعت حجم الاستثمارات الإماراتية في مصر إلى 65 مليار دولار.