أمام مقر المفوضية الأوروبية في برشلونة، اجتمع عدد من المواطنين الإسرائيليين المقيمين في أوروبا في 27 مايو 2025 للمطالبة بوقف فوري للحرب على غزة، بحسب تقرير مجموعة الأزمات الدولية.

بدأت الدول الأوروبية ترفع صوتها حيال ما يجري في غزة بعد شهور من الحصار والقصف الإسرائيلي. منذ 7 أكتوبر 2023، بلغ عدد القتلى أكثر من 54 ألف فلسطيني و1600 إسرائيلي، فيما دخل سكان غزة في دوامة من المجاعة والنزوح القسري. بدأت أوروبا، التي التزمت سابقاً الصمت أو الاكتفاء بعبارات القلق، الآن تعبر عن غضب دبلوماسي واضح، خصوصًا بعد تصريحات إسرائيلية تشير إلى استخدام إيصال المساعدات كسلاح، وصور المجاعة والدمار التي لم يعد بالإمكان تجاهلها.

ورغم أهمية التصريحات الأوروبية، إلا أن الأفعال تبقى مفتاح التغيير. مصير الهدنة لا يزال معلقًا، ولا شيء يضمن عدم تجدد العدوان بعد توقف مؤقت. لذلك، إن أرادت أوروبا التأثير في السياسات الإسرائيلية، يجب أن تلوّح باستخدام أدوات الضغط الاقتصادية والدبلوماسية المتاحة لها. المقترحات تشمل فرض حظر على بيع الأسلحة لإسرائيل، فرض قيود على استخدامها في غزة، دعم مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد مسؤولين إسرائيليين، وتقييد الامتيازات التجارية. يجب كذلك فرض عقوبات على الوزراء الإسرائيليين الذين يدفعون بسياسات الاستيطان غير القانونية.

تمتلك أوروبا تأثيرًا اقتصاديًا لا يستهان به على إسرائيل، إذ تشكل التجارة مع الاتحاد الأوروبي ثلث إجمالي تجارة إسرائيل، في حين تشكل نسبة ضئيلة من تجارة الاتحاد. المملكة المتحدة وألمانيا تواصلان تصدير السلاح رغم الإدانات، في وقت ترتبط إسرائيل باتفاقيات في مجالات الرياضة والثقافة والبحث العلمي في أوروبا، مما يجعلها حساسة لمواقف الأوروبيين.

مؤخرًا، انضمت فرنسا وهولندا والسويد وبريطانيا وكندا إلى دول مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج، مطالبة بإنهاء الحرب. حتى ألمانيا والنمسا، وهما من أبرز داعمي إسرائيل، بدأتا تعبران عن القلق. الاتحاد الأوروبي بدأ بمراجعة امتثال إسرائيل لبند حقوق الإنسان في اتفاقية الشراكة الموقعة عام 1995، ما قد يفضي إلى تعليق بعض امتيازاتها التجارية.

وعلى الرغم من صعوبة تعليق الاتفاق بالكامل بسبب المعارضة المتوقعة من دول مثل المجر والتشيك، فإن تعليق الامتيازات التجارية ممكن بأغلبية مؤهلة. من جهة أخرى، أوقفت بريطانيا المفاوضات حول اتفاقية تجارة ما بعد بريكست، وفرضت عقوبات على مستوطنين متشددين. فرنسا نظمت مؤتمرًا أمميًا لدعم حل الدولتين. عدة دول، منها مالطا، أعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية، وهو موقف رمزي لكنه مهم سياسيًا.

رغم هذه التحركات، لا تزال بعض الدول الأوروبية، ومنها المجر وبولندا وألمانيا، تعلن رفضها تنفيذ مذكرات المحكمة الجنائية الدولية، ما يغذي شعور إسرائيل بالإفلات من العقاب. يجب على العواصم الأوروبية الالتزام العلني بتطبيق قرارات المحكمة.

رغم مبادرات بعض منظمات المجتمع المدني لملاحقة جنود إسرائيليين بتهم جرائم حرب، لم تقدم حكومات أوروبية على فرض عقوبات رسمية على شخصيات مرتبطة بانتهاكات في غزة أو الضفة. يمكن للاتحاد الأوروبي استكشاف إمكانية فرض عقوبات عبر آلية العقوبات الخاصة بحقوق الإنسان، والتي تستهدف الأفراد بدلًا من الدول، وهو خيار قد يكون أكثر قابلية للتوافق الأوروبي.

يجب وقف تصدير السلاح، خصوصًا من ألمانيا التي تُعد ثاني أكبر مزود لإسرائيل بعد الولايات المتحدة. كذلك، على الدول الأوروبية احترام معايير الاتحاد بشأن تصدير الأسلحة، والتي تمنع التصدير حين يُحتمل أن يُستخدم السلاح في انتهاكات. في ألمانيا، تتصاعد الدعوات لوقف التصدير، خاصة من الحزب الاشتراكي، شريك الحكومة. أما بريطانيا فأوقفت بعض التراخيص لكنها تواصل تصدير آلاف المواد العسكرية.

في المقابل، اتخذت الحكومة الإسرائيلية موقفًا عدائيًا تجاه الانتقادات الأوروبية، إذ اتهم نتنياهو لندن وباريس بدعم حماس، وهددت إسرائيل بضم مناطق جديدة في الضفة الغربية ردًا على اعتراف دول أوروبية محتمل بدولة فلسطين. ومع ذلك، فإن هذا التهديد يمثل مزيجًا من التحدي والدعاية، خصوصًا مع إعلان الحكومة في 29 مايو نيتها الموافقة على بناء 22 مستوطنة جديدة، وهي أكبر موجة توسع منذ عقود.

منذ مارس، أدى العدوان الإسرائيلي إلى مقتل 4 آلاف فلسطيني ونزوح 600 ألف آخرين. يستخدم الجيش سياسة التهجير القسري عبر القصف والتجويع والتدمير المنهجي، تمهيدًا لفرض واقع جديد يعزل السكان في مخيمات ويحول فكرة "الهجرة الطوعية" إلى خيار مفروض بين الجوع والبُعد عن الوطن.

صمت أوروبا، رغم مبرراته الأولية بعد 7 أكتوبر، يشكل اليوم خيانة للقيم التي تدّعي الدفاع عنها، وظلمًا للإسرائيليين أنفسهم. المستقبل القريب يحدد مصير غزة، وبدون تحرك أوروبي جاد، قد يصبح الدمار دائمًا.

الكلمات لم تعد كافية. أوروبا يجب أن تتحرك الآن – لا عبر التصريحات فقط، بل عبر قرارات حاسمة: وقف تصدير الأسلحة، فرض عقوبات، وتجميد امتيازات حتى تتوقف الحرب وتُستأنف المفاوضات لإطلاق الأسرى ورسم ملامح مستقبل غزة.
 

https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/east-mediterranean-mena/israelpalestine/europe-gaza-words-are-not-enough