في مقالها على موقع ميدل إيست آي، تصف الكاتبة سمية الغنوشي النكبة الثانية التي تشهدها غزة، نكبة لا تُرتكب في الخفاء، بل تُبث لحظة بلحظة، وتُعرض أمام العالم بكل وضوح ووحشية.
هذه ليست تكرارًا لنكبة 1948، بل امتدادٌ متطور لها، بتنقيات عسكرية متقدمة، وعلنية غير مسبوقة، وجرأة أكبر في الإبادة.

يُستهدف المدنيون عمدًا.
تُقصف البيوت، تُسوى المدارس والمستشفيات بالأرض، ويُجعل كل شيء في غزة هدفًا مشروعًا.
تتحول المدينة إلى مقبرة تُبنى أمام الكاميرات وتُدار بدقة قاتلة، بينما تصمت القوى الدولية أو تبرر.

لكن هذا العنف لا يقتصر على غزة، فالمجازر تتسارع أيضًا في الضفة الغربية: اجتياحات، اغتيالات، إرهاب مستوطنين، وتصعيد بلا توقف.
ورغم ذلك، يواصل العالم التعامل مع ما يحدث وكأنه بدأ في 7 أكتوبر، متجاهلًا عقودًا من الحصار والهدم والقتل والاقتلاع.

ما يجري ليس دفاعًا عن النفس، بل استمرارٌ لمشروع تطهير عرقي بدأ قبل ثمانية عقود.
الفرق الوحيد الآن أن أدواته أصبحت صواريخ ذكية وخوارزميات وأنظمة بث مباشر.
لم تعد هناك حاجة إلى التستر أو التجميل، بل تصريحات صريحة.

يُعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش صراحة: "نحتل ونُطهّر وسنبقى… سندمر كل ما في غزة"، ويدعو عضو كنيست سابق إلى قتل كل طفل هناك.
يوضح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نيته للسيطرة الكاملة على القطاع، ويسمح بدخول عدد ضئيل من شاحنات المساعدات فقط لتفادي اتهامات بالتجويع، لا بدافع إنساني.

تُمارس المجازر في وضح النهار، ويُعاد تعريف الإبادة كـ"دفاع عن النفس".
يُقصف اللاجئون، تُستخدم المجاعة كسلاح، وتُقدَّم الخنادق الجماعية كحاجة أمنية.
ومع ذلك، يتحدث بعض المسؤولين الإسرائيليين بقلق من انحدار إسرائيل نحو وضع "الدولة المنبوذة"، كما حذر الجنرال السابق يائير غولان.

المشهد لا يُصدَّق: عائلات تُقصف أثناء فرارها، أطفال يُدفنون بعد أيام من مقابلات إعلامية، أطباء يجرون العمليات دون تخدير، وأمهات يحتضن أشلاء أولادهن.
كل هذا لا يُنفذ في الخفاء، بل يُعرض أمام الجميع وكأنه عرض مسرحي دموي.

تتحدث الكاتبة عن "خطة مركبات جدعون"، التي تهدف ليس إلى النصر العسكري، بل إلى محو غزة وتحويلها إلى أرض خالية تُعاد هندستها، وتحويل الفلسطينيين إلى مجرد ذكرى، كما تُرسم في خيال استعماري يريد إعادة إنتاج غزة كـ"ريفييرا الشرق الأوسط".

في نكبة 1948، فتحت بريطانيا الباب لإسرائيل بإعلان بلفور، وسارت الولايات المتحدة خلفها. أما الآن، فتقود واشنطن مباشرة، بدعم عسكري ودبلوماسي غير مشروط، بينما تتبعها أوروبا بالصمت أو التواطؤ.

لكن ليس الجميع صامتًا. دول كإسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا والدنمارك بدأت تسمّي الأمور بمسمياتها، وتُدين ما يحدث باعتباره إبادة جماعية. هذه المواقف تكتسب أهمية خاصة وسط ضجيج التضليل.

الفرق الأكبر بين النكبتين هو وضوح الصورة. نكبة 1948 عاشت في الروايات والذاكرة، أما نكبة 2025 فتُبث وتُشاهد وتُشعَر بكل حواس العالم. لم يعد بالإمكان إنكار الجريمة أو تغليفها بالأساطير.

ورغم محاولات قتل الأمل، ترفض الكاتبة التسليم بالهزيمة. فالحراك الشعبي العالمي - من الجامعات إلى الشوارع - بدأ يكسر الصمت. الطلاب يعتصمون، والعمال يُضربون، والفنانون يُقاطعون، والتوازنات السياسية تهتز.

تختتم الغنوشي المقال بالتشديد على أن التاريخ لم يُحسم بعد. فلسطين لم تسقط، بل تُقتل، لكنها تصرخ، تقاوم، وتُسمِع صوتها. والعالم بدأ يصغي، وإن ببطء.

https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-second-nakba-televised