أصدر المستشار حازم حسين الجيزاوي، رئيس مكتب تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية ورئيس محكمة الاستئناف قرارًا مفاجئًا بإلغاء إدراج عشرات المتهمين في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"أنصار بيت المقدس" من قوائم الإرهاب وتقدمت جدلًا واسعًا على المستويين الداخلي والخارجي، وتطرح تساؤلات عديدة حول الرسائل التي يريد نظام الانقلاب العسكري في مصر إرسالها، وحساباته السياسية، بالإضافة إذا ما كان هناك تحولات داخل السلطة أو صراعات داخل الأجهزة الأمنية.

 

حساب النظام وأبعاده

الحكم التي أصدره الجيزاوي لا يمكن فصله عن فلسفة نظام الانقلاب، الذي يستخدم القضاء كأداة لتصفية أي صوت معارض منذ انقلاب 2013، وذلك بعد إدراجه آلاف المعارضين على قوائم الإرهاب، وبقرارات غيابية، مما يجعل القضاء المصري أداة للانتقام السياسي أكثر منها أداة فعالة حقاً لمكافحة الإرهاب.

فرفع الأسماء الآن يأتي بعد العرض من محكمة النقض، ليتحول إلى انعكاسات سياسية داخلية وخارجية، وربما صراعات داخل السلطة نفسها، حيث قد يكون النظام العسكري الداخلي في حاجة لتغيير أوراقه في اختلافات متعددة.

 

رسائل النظام العسكري للداخل

هذه المحاولة من قبل النظام يحفز الضغط الداخلي المتزايد، خصوصًا في ظل العمليات المسلحة في شمال سيناء منذ مطلع 2023، ما حدد الحاجة إلى استخدام ملف "أنصار بيت المقدس" كذريعة لتبرير حملة القمع ضد المعارضين، فقد يُقرأ رفع الأسماء بشكل مباشر من منظمات الإرهاب كخطوة مهمة لتحسين صورة النظام أمام الجمهور العام المصري، خاصة بعد سنوات من استخدام هذه القضية لتصفية الحسابات السياسية واعتقال معارضين لا علاقة لهم بالإرهاب.

ويبدو أن النظام المصري يسعى من خلال هذا القرار إلى تهدئة الأوضاع الداخلية، خاصة في ظل تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وقد يكون الهدف هو امتصاص الغضب الشعبي المتصاعد بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة، من خلال تقديم تنازلات شكلية تظهر النظام بمظهر المتسامح والمصلح.

 

رسائل النظام العسكري للخارج

على الصعيد الخارجي، تأتي قوى جديدة في ضغوط متزايدة على مصر بالإضافة إلى ملف حقوق الإنسان، خاصة من الاتحاد الأوروبي ومنظمات الأمم المتحدة، الذين ما زالوا يؤيدون استخدام القانون وليس لقمع الاحتجاجات والمعارضين، وقد يكون رفع أسماء المتهمين في قضية "أنصار بيت القدس" محاولة من النظام لعدم الرضا عن علاقاته مع شركاءه الأوروبيين، خصوصًا في مفاوضات دولية، فهو يحاول بهذه الطريقة، أن يسوق هذه الأحكام عل أنها خطوة إصلاحية لملف حقوق الإنسان للتخلص من الانتقادات الدولية دون التوصل إلى نتيجة سياسية سريعة، خاصة في ظل المفاوضات المصرية المتواصلة للحصول على مساعدات جديدة أوروبية أو من صندوق النقد الدولي.

 

هل هناك أمر خفي داخل السلطة؟

قد يشير القرار إلى وجود تحولات داخلية في مراكز القوة داخل النظام، أو إلى صراعات بين الأجهزة الأمنية والقضائية، وقد يكون هناك رغبة من بعض الأطراف في النظام لإعادة تقييم السياسات الأمنية المتبعة، أو لتحسين العلاقات مع المجتمع الدولي.

كما قد يكون نظام الانقلاب العسكري يحاول احتواء انقسامات داخلية أو إعادة ترتيب تحالفاته في ظل ضغوط اقتصادية وسياسية متزايدة وانهيار اقتصادي متسارع، كما أن خصوصية ملفات الإرهاب قد تكون جزءًا من سياساته المتكررة التي يوجهها حسب احتياجاته في السلطة أو تقليل التنوع مع بعض الكيانات أو الدول المجاورة، وهذه الخطوة قد تكون أيضًا محاولة تحفيز الاحتجاج السياسي الداخلي، في ظل تزايد الانتقادات والاحتجاجات ضد سياسات النظام المستبد.

 

ردود فعل المعارضة والحقوقيين

من جانب المعارضين ومنظمات حقوق الإنسان، يُنظر إلى هذه القرارات القضائية المسيسة على أنها مبادرة لا تغي حقيقة أن النظام العسكري يستخدم مكافحة الإرهاب كأداة لقمع الاحتجاجات الشعبية، فرفع الأسماء  من قوائم الإرهاب لا يُعوض عن سنوات من الاعتقالات التعسفية والإخفاءات القسرية، وتجريم السياسة النقدية، وتجميد الأموال، ومنع السفر، وسحب جوازات السفر التي نالت المعارضين ولم تثبت إدانتهم بأي نشاط إرهابي حقيقي، كما أن الحكم الصادر لا يعني بالضرورة إطلاق سراحهم بشكل أساسي أو إعادة حقوقهم، بل هو مجرد تصفية جزئية قد تكون جزءًا من لعبة سياسية واسعة، أو زوبعة إعلامية لتمرير بعض الصفقات الدولية، أو توجيه رسائل داخلية أو خارجية.

القرار في الوقت نفسه نشأ من حالة الغموض ليفتح الباب أمام نقاشات واسعة حول استقلال القضاء في مصر، إذ هناك تساؤلات عن مدى شفافية النظام واستعداده لتغيير سياساته القمعية بشكل حقيقي، ونتيجة لذلك، بدأ استخدام أداة القضاء كأداة سياسية متحكم فيها بتوجيهاته، ويمكن رؤية قوانين مكافحة الإرهاب التي استُخدمت لتكميم الأفواه وتصفية الأصوات المعارضة

 

توقعات مستقبلية

من غير المتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى تغييرات جوهرية في السياسات القمعية للنظام المصري، فقد يستمر النظام في استخدام القوانين القمعية والأجهزة الأمنية للسيطرة على المعارضة، مع تقديم تنازلات شكلية لتحسين صورته.

 

الخلاصة

يُظهر قرار إلغاء إدراج متهمي "أنصار بيت المقدس" من قوائم الإرهاب محاولة من النظام المصري لإعادة تشكيل صورته داخليًا وخارجيًا، إلا أن هذه الخطوة تظل محدودة في تأثيرها، ما لم تتبعها إصلاحات حقيقية تضمن احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويسلط الضوء على خطر استخدام القضاء كأداة للهيمنة السياسية، ويؤكد أن النظام في سياساته الاستبدادية العسكرية تهدف إلى التحكم الكامل في حياة المصريين، ويظل المستقبل السياسي في مصر معلقًا على مدى قدرة المجتمع المدني على مواجهة هؤلاء المتأثرين والكشف عن زيف التتبعات الشكلية التي لم تتغير من جوهر الاستبداد.