كلفة الاتفاق النووي

غازي العريضي

 

انتهت الجولة الثالثة من المفاوضات الإيرانية الأميركية في مسقط، وسط أجواء إيجابية. قال وزير خارجية إيران، عبّاس عراقجي: "أنا راضٍ عن المحادثات مع أميركا ووتيرتها، وهناك جدّية وإصرار من الجانبين مع التأكيد أن ثمّة خلافات لا تزال قائمةً بشأن قضايا رئيسة". وقال مسؤولون أميركيون لـ"إكسيوس": "أحرزنا تقدّماً. كانت الجولة مثمرةً". أمّا وزير خارجية عُمان، بدر البوسعيدي، فأعلن أن محادثات رفيعة المستوى، بين أميركا وإيران، ستُعقد مبدئياً في 3 مايو/ أيار المقبل.

تزامن اللقاء مع انفجار بمرفأ رجائي في مدينة بندر عباس الإيرانية، وتوجّهت الأنظار مباشرة إلى إسرائيل، الدولة التي لا تريد رؤية إيجابيات في المفاوضات. هي مصرّة على ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وتعتبر أنه لا يجوز تفويت الفرصة، وتحاول استغلال أيَّ أمر لتنفيذ إرادتها. وقد عبّر مسؤولوها عن عدم ارتياحهم، وأكّدوا أنه في اللحظة التي سيطرح فيها الأميركيون جميع شروطهم، بعد أسابيع، ستنفجر المباحثات. ثمّة مطالب أميركية لنزع البنى التحتية النووية لإيران على غرار النموذج الليبي، ووقف مسار تسلّحها بالصواريخ البالستية، ووقف أنشطة المنظّمات التي تقودها"، هذه هي رغبات الأميركيين الحقيقية، وثمّة أوركسترا إسرائيلية تعمل في الداخل والخارج، في أميركا وأوروبا، خصوصاً في العالم العربي مع أطراف عربية مختلفة تشاطر إسرائيل رغباتها في التحريض والضغط على الإدارة الأميركية، مستخدمين وسائل التحريض والتخريب كلها، لإفشال نجاح المفاوضات.

قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان: "مستعدّون للتوصل إلى اتفاق مع واشنطن في إطار محدّد، مع الحفاظ على المصالح الوطنية. إذا لم يرغب الأميركيون التفاوض بتكافؤ، فسنواصل طريقنا. لسنا متفائلين أو متشائمين. لا نرغب في النزاع مع أحد، لكنّنا لا نقبل التسلّط والتنمّر". أكّد وزير الخارجية عبّاس عراقجي أن "من المبكّر الحكم على مسار المحادثات مع أميركا، واثق من التوصّل إلى اتفاق إذا واصل الأميركيون التفاوض بشكل بنّاء". وأضاف: "إذا نظرنا إلى المستقبل، فإن أيّ اتفاق قد يتم التوصّل إليه يجب أن يرتكز إلى المصالح الاقتصادية الإيرانية، إلى جانب برنامج قوي للرصد والتحقّق، يضمن الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني"، وكان هنا يردّ على وزير خارجية أميركا ماركو روبيو (لا يفاوض، بل المكلّف بالأمر ستيف ويتكوف) عندما قال: "إذا أرادت إيران برنامجاً نووياً مدنياً فيمكنها امتلاكه عبر استيراد المواد المخصّبة". يعني، لا يمكن لإيران أن تخصّب المواد الضرورية، بل يتاح لها استيرادها. كما طُرحتْ فكرة ثانية مفادها نقل المواد المخصّبة إلى الخارج، وربّما إلى روسيا، فتكون تحت رقابتها وبأمانتها، وتعطي إيران ما تحتاجه من مواد للبناء النووي السلمي. قال عراقجي: "كلّ ملّيغرام من اليورانيوم المخصّب في إيران هو تحت إشراف كامل ومتواصل من الوكالة الدولية للطاقة"، وركّز في برنامج الرصد والتحقّق، الذي سيكون ضمن الاتفاق. هذه إشارات مهمّة لتسهيل الوصول إلى اتفاق إذا كان هذا الهدف الأميركي حقيقي. في هذا السياق، أشارت "العربي الجديد" إلى مسألة مهمّة: "في الحديث عن آلية الرقابة والتأكّد من سلمية برنامج إيران النووي يتبيّن أن المفاوض الأميركي ليس مُلمّاً كما يجب بالاتفاق النووي، الذي يتضمّن آليات مشدّدة وافقت عليها طهران ضمن قبولها تنفيذ البروتوكول الإضافي الملحق باتفاق الضمانات التابع لمعاهدة حظر الأسلحة النووية". وأضافت: "الطرف الإيراني قدّم تطمينات عملية بعدم السعي لامتلاك السلاح النووي".

ماذا يعني ذلك؟... إذا كانت أميركا صادقةً في التوصّل إلى اتفاق يسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي السلمي، فإيران تقدّم كلّ الالتزامات والضمانات، وبالتالي يمكن الرهان على المفاوضات والوصول بنتيجتها إلى اتفاق. لكن نتنياهو في مكان آخر تماماً: "أتعهد بالعمل على منع إيران من الحصول على سلاح نووي، وإذا خسرنا المعركة أمامها، فإن دولاً أخرى ستكون التالية". وأضاف: "لن تمنعنا أيُّ دولة من محاسبة إيران إذا لزم الأمر". وأكّد ترامب لاحقاً: "لم أمنع إسرائيل من ضرب المنشآت النووية الإيرانية، ومستعدّ للقاء خامنئي أو الرئيس الإيراني".

مكمن القلق هنا... سبق لنتنياهو أن قال هذا الكلام في الحرب على غزّة، عندما دعاه كثيرون إلى وقفها، والإدارة الأميركية التي زوّدته بكلّ أدوات القتل، وقدّمت له كلّ الضمانات، خاطبها بالطريقة ذاتها. واليوم، يستخدم الأسلوب ذاته مدركاً (كما علّمتنا التجارب) أنه إذا بادر إلى تجاوزٍ ما، فإن أميركا تتجاوز الحسابات كلّها من أجل اسرائيل. ونتنياهو يقدّم نفسه مدافعاً عن البشرية والغرب و"العرب الأصدقاء"، "التائهين"، "الضائعين"، الذين سيدفعون أثماناً خيالية لـ"حمايتهم" و"تسليحهم"، ولا يتعلّمون أن أميركا لا توفّر الحماية إلا لإسرائيل، وعلى العرب أن يقدّموا أموالهم لشركات السلاح الأميركية والاستثمارات في أميركا، ومنذ عقود وثوابت أميركا لم تتغيّر، وحسابات العرب لا تتغيّر، وهم يتشاطرون ويتذاكون، وإسرائيل في طريقها لتصبح إسرائيل الكبرى التي ستسيطر على كلّ شيء. الوصول إلى اتفاق بين أميركا وإيران أقلّ كلفةً على الجميع، وأكثر كلفةً على إسرائيل، من منظار رهاناتها وحساباتها.