طالبت المفوضية المصرية للحقوق والحريات بفتح تحقيق عاجل وشفاف في مقتل الشاب محمود محمد محمود أسعد، المعروف باسم "محمود ميكا"، داخل حجز قسم شرطة الخليفة بالقاهرة، بعد ظهور دلائل دامغة على تعرضه لتعذيب أفضى إلى وفاته، في واقعة جديدة تهز أوساط الحقوقيين وتثير أسئلة مريرة عن واقع السجون وأقسام الشرطة.
بدأت مأساة محمود ميكا، 26 عامًا ويعمل نجارًا مسلحًا، مساء السادس من مارس 2025 حين أوقفته قوة شرطية مكونة من ثلاثة ضباط أمام أحد محلات بيع منتجات الألبان، بينما كان برفقة والدته. تم اقتياده بالقوة إلى قسم الخليفة، دون إبداء سبب قانوني أو إبراز إذن من النيابة، في انتهاك صريح للقوانين والدستور.
لاحقًا، نُسبت إليه تهمة الاتجار في المخدرات، وهي تهمة تشكك فيها أسرته ومحاميته التي لم تتمكن حتى من رؤية "الأحراز" المفترضة. هذه الحادثة أعادت للأذهان توقيفًا سابقًا تعرض له ميكا في ديسمبر 2024، إثر مشادة مع ضابط وأمين شرطة من قسم الخليفة، حصل فيها لاحقًا على حكم بالبراءة. المفارقة أن الضابط المتورط في الواقعة الأولى كان ضمن القوة التي أعادت القبض عليه، مما أثار شبهات حول دوافع انتقامية من عناصر أمنية معينة.
غموض وصدمات
في العاشر من أبريل 2025، توجهت والدة محمود إلى القسم لزيارته. رُفض طلبها بشكل مفاجئ وغامض. أحد أمناء الشرطة لمّح إليها بـ"الدعاء له"، قبل أن يواجهها مأمور القسم بخبر وفاته بدعوى نقله إلى مستشفى المنيرة. دون أي شرح مقنع.
ما رأته الأسرة بعد ذلك، عند استلام الجثمان، كشف فصولًا أكثر فظاعة من القصة: آثار ضرب مبرح على الظهر، جروح نازفة باليدين والقدمين نتيجة الربط الشديد، علامات خنق باستخدام فوطة حول الرقبة، وكدمات وإصابات بالغة بالأذن والأنف والركبة والعين.
شهادات السجناء.. شهادات تحت التهديد
لم تكن رواية الأسرة هي الوحيدة. عدة محتجزين في قسم الخليفة قدموا شهادات أمام النيابة أكدوا فيها أن محمود ميكا تعرض للضرب العلني المبرح حتى الموت على يد ضابطين وأمناء شرطة حُددت أسماؤهم بحروف "م. ش" و"م. س". بعد وفاته، نُقل جثمانه إلى زنزانة انفرادية في محاولة واضحة للتغطية على الجريمة حتى يوم 12 أبريل.
وفي تطور خطير، أفاد الشهود بتعرضهم لتهديدات مباشرة وغير مباشرة تهدف إلى دفعهم للعدول عن شهاداتهم أو تقديم روايات مزيفة تبرئ الضباط وتلصق التهمة بالضحية نفسه.
مطالب حقوقية واسعة.. العدالة أو الإفلات من العقاب
أعلنت المفوضية المصرية للحقوق والحريات أن واقعة مقتل محمود ميكا تمثل خرقًا جسيمًا للدستور الذي يُجرم التعذيب بصوره كافة، وللمواثيق الدولية، وعلى رأسها الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب الموقعة عليها مصر عام 1986.
وطالبت المفوضية بـ:
- فتح تحقيق عاجل ومستقل في القضية.
- محاسبة الضباط وأمناء الشرطة المتورطين.
- تقديم تقرير الطب الشرعي لأسرة الضحية ومحاميها فورًا.
- حماية الشهود من أي تهديدات أو ضغوط.
- توثيق جميع آثار التعذيب بشكل رسمي ودقيق.
وأكدت المفوضية أن التهاون مع هذه الجريمة سيكرس لثقافة الإفلات من العقاب، ويمثل تهديدًا خطيرًا لمبادئ حقوق الإنسان ولدور الدولة نفسها كحامية للقانون.