تفاجأ مئات المرضى المنتفعين بالعلاج على نفقة الدولة في مستشفى أورام دار السلام المعروف بـ"هرمل"، بمنعهم من دخول المستشفى أو حتى الانتظار داخل استراحته منذ 7 أيام، بعد أسابيع من نقل تبعية المستشفى إلى مجموعة "جوستاف روسيه" الفرنسية عبر شراكة مع وزارة الصحة.

الواقعة، التي أنكرها المستشفى رسميًا، تأتي في وقت يتصاعد فيه الجدل حول تداعيات خصخصة منشآت صحية عامة تحت غطاء "الشراكة مع القطاع الخاص"، وسط تحذيرات من انهيار منظومة الرعاية الصحية المجانية.

 

مرضى في الشمس.. ومنع من الدخول

يقول أحد المرضى الثلاثة الذين تحدثوا بعدم نشر اسمائهم: "وقفونا بالساعات في الشمس، وجينا من محافظات بعيدة، ومفيش استراحة نقعد فيها ولا حمام نرتاح فيه، وأصلاً دخول المستشفى بقى بالحجز، وكل ده وإحنا مرضى سرطان".

المرضى أكدوا أن الإدارة الجديدة قررت بقاءهم خارج المبنى لساعات قبل الدخول، رغم تدهور حالاتهم الصحية، لاسيما أن كثيرين منهم يتلقون جلسات علاج كيماوي مرهقة، ويتكبدون عناء السفر من محافظات مختلفة. وقالوا إنهم يُجبرون على الانتظار أكثر من ثلاث ساعات فقط للحصول على رقم الحجز.

 

احتجاجات وتكدس أمني

محمود فؤاد، مدير جمعية الحق في الدواء، أوضح أن أكثر من 500 مريض نظموا احتجاجات أمام المستشفى خلال السبع الأيام الماضية، بعد أن رفضت الإدارة السماح لهم بالدخول، ما تسبب في تكدس مروري استدعى تدخل قسم شرطة دار السلام لتنظيم الحركة أمام البوابة.

وأضاف فؤاد أن المرضى الذين تمكنوا من الدخول فوجئوا بتغيير أطقم الأطباء الذين كانوا يتابعون حالاتهم منذ البداية، مما يمثل "خطرًا كبيرًا على حياتهم"، حسب تعبيره.

وأشار إلى أن أحد بنود عقد الشراكة مع الدولة ينص على السماح للشركة الجديدة بالاحتفاظ بنسبة 25% فقط من الأطباء السابقين، وهو ما يثير مخاوف من فقدان الكفاءات الطبية واستمرارية الرعاية العلاجية.

 

نظام جديد.. خدمات أقل وبمقابل أكبر

فؤاد أكد أيضًا أن إدارة المستشفى خفضت عدد الحالات اليومية التي تستقبلها إلى 50 فقط، معللة ذلك بأن العمل لم يعد بنظام الـ24 ساعة كما كان معمولًا به سابقًا. كما أشار إلى أن الحكومة تتحمل الآن 70% فقط من تكلفة العلاج، بينما يتحمل المريض 30%، في خطوة وصفها بأنها عبء جديد على الفئات الأكثر فقرًا.

 

الإدارة تنفي: المرضى يدخلون وفق مواعيد

من جهتها، نفت الدكتورة دعاء علي، مديرة مركز أورام دار السلام، صحة هذه الاتهامات، مؤكدة أن دخول المرضى يتم وفق مواعيد منسقة مسبقًا معهم، وأن "كل مريض يعرف موعد حضوره قبلها بأيام".

 

سياق أوسع: من منشأة حكومية إلى فرع لشركة فرنسية

في فبراير الماضي، وقّعت وزارة الصحة عقد شراكة مع شركة "إليفيت"، الشريك الحصري لمعهد "جوستاف روسيه" الفرنسي في مصر، لتتولى إدارة وتشغيل وتطوير مستشفى هرمل، ليصبح بذلك أول فرع للمعهد الفرنسي خارج فرنسا.

ورغم إعلان الوزارة أن 70% من الأسرّة ستظل مخصصة للمرضى المنتفعين بالعلاج المجاني أو ضمن التأمين الصحي، في حين تُخصص الـ30% الأخرى لخدمات استثمارية، إلا أن المرضى والمراقبين يخشون من تراجع تدريجي لدور الدولة في تقديم خدمات صحية مجانية وشاملة.

وبحسب وثائق تحصل وزارة الصحة بموجب العقد على 3% فقط من الإيرادات في أول خمس سنوات، ترتفع إلى 5% بعد ذلك، ما أثار تساؤلات حول جدوى هذه الشراكة من حيث المردود العام للدولة.

 

الخصخصة بقانون.. رغم الاعتراضات

تحوّل مستشفى هرمل إلى نموذج مثير للجدل لخصخصة الرعاية الصحية، خاصة بعد إقرار القانون رقم 87 لسنة 2024 الذي يسمح بمنح التزام إدارة وتشغيل المنشآت الصحية للمستثمرين المصريين والأجانب.

ورغم اعتراض نقابة الأطباء وعدد من الشخصيات الحقوقية والمهنية، وعلى رأسهم منى مينا ورشوان شعبان، أقام المحامي خالد علي دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري لوقف تنفيذ قرارات خصخصة بعض المستشفيات، واصفًا القانون بأنه "ينتهك الدستور ويعرض المرضى والطواقم الطبية للخطر".

وتشير الدعوى إلى أن القانون يسمح للمستثمر بالاستغناء عن 75% من العاملين، ما يهدد استقرار الطواقم الطبية ويقوض برامج التدريب داخل المستشفيات المتخصصة.