خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، بدا نتنياهو غير مرتاح وهو يستمع إلى تصريحات دونالد ترامب بشأن التنافس المتصاعد بين إسرائيل وتركيا في سوريا. كانت هذه المرة الثانية خلال أشهر قليلة التي يظهر فيها نتنياهو مشاعر الارتباك؛ المرة الأولى كانت عندما اقترح ترامب أن تتولى أمريكا إدارة قطاع غزة. هذه المرة، بدا الإحباط واضحًا على وجهه.
أشاد ترامب بعلاقاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واصفًا إياه بـ"الذكي" و"الشخص القوي"، مشيرًا إلى دوره في دعم فصائل سورية أطاحت بالنظام السوري في ديسمبر الماضي. ثم التفت إلى نتنياهو قائلاً: "إذا كانت لديك مشكلة مع تركيا، أعتقد أنك قادر على حلها. لدي علاقة ممتازة مع تركيا ومع قيادتها".
وأضاف: "يجب أن نكون منطقيين. يمكنني حل أي مشكلة بينكم".
خلال الأشهر الأخيرة، كثّفت إسرائيل من غاراتها الجوية في سوريا، متجاوزة حتى وتيرتها في عهد الأسد. في البداية، بررت الهجمات بأنها تستهدف قدرات عسكرية قد تقع في يد قوات سورية جديدة، إلا أن الضربات تزايدت مع الوقت. مؤخرًا، وأقرت إسرائيل بمخاوفها من النفوذ التركي المتصاعد في سوريا، واعتبرت وجود أنقرة تهديدًا استراتيجيًا.
وكشف مسؤول إسرائيلي رفيع أن طائرات إسرائيلية دمرت قاعدة T4 الجوية في حمص بعد زيارة فرق عسكرية تركية إليها. وُصفت الخطوة بأنها محاولة لإجهاض أي مشروع لإقامة قواعد تركية في سوريا، مع تأكيد تل أبيب أن ذلك خط أحمر لن يُسمح بتجاوزه.
تتحرك إسرائيل دبلوماسيًا أيضًا، إذ يحاول نتنياهو إقناع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بمنع بيع مقاتلات F-35 لتركيا. بالمقابل، تحاول أنقرة كسر الحصار الدبلوماسي بعرض شراء معدات عسكرية من واشنطن مقابل رفع العقوبات وإعادتها إلى برنامج المقاتلات.
الصراع بين تركيا وإسرائيل في سوريا لم يعد نظريًا، بل واقعًا جيوسياسيًا تُواجهه أنقرة بشكل مباشر. الطرفان يؤكدان عدم رغبتهما في التصعيد، لكن إسرائيل تبدو الأكثر اندفاعًا، بينما تتجنب تركيا المواجهة. هذا التباين في النهج لفت انتباه ترامب، الذي ظهر في لقائه مع نتنياهو وكأنه أقرب إلى أنقرة.
في الأوساط المقربة من الرئيس الأمريكي، يتحدث البعض عن تململه من تصلب المواقف الإسرائيلية. بل تشير بعض التقارير إلى أن ترامب بات يفضل الرئيس الفلسطيني محمود عباس على القيادة الإسرائيلية الحالية، ويعتبر العلاقة مع إسرائيل ضرورية فقط في سياق الدعم الانتخابي الذي توفره جماعات الضغط المؤيدة لها.
في المقابل، العلاقة مع أردوغان تبدو أكثر مرونة ونفعًا للطرفين. يُحضر بينهما لقاء في ظل تعاون مستمر على مستوى الملفات الإقليمية والتجارية، حيث أبدت تركيا مقاومة ملحوظة للتأثيرات الاقتصادية الناجمة عن سياسات ترامب التجارية العدوانية.
قد نشهد تحولا في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط إذا استمرت أنقرة في تحسين علاقاتها مع واشنطن وتفادت الاصطدام العلني مع إسرائيل. تحول قد لا يصب في مصلحة تل أبيب.