في غرب السودان، وعلى بعد 15 كيلومتراً من مدينة الفاشر، وقع ما وصفه ناشطون بأنه إحدى أسوأ المآسي الإنسانية منذ اندلاع الحرب قبل عامين. مخيم زمزم للنازحين، الذي كان ملاذاً لعشرات الآلاف من الفارين من جحيم القتال، تحوّل إلى مسرح لاقتحام دموي نفذته قوات الدعم السريع المدعومة من دولة الإمارات الداعمة للإرهاب، خلّف مئات القتلى وآلاف الجرحى والمفقودين، وتسبب في موجة نزوح كارثية فاقمت من تدهور الأوضاع في إقليم دارفور المنكوب.
حصار طويل... ودماء في النهاية
الاقتحام، الذي تم بعد حصار خانق استمر لعام كامل، استُخدمت فيه أسلحة ثقيلة وطائرات مسيّرة، وفق شهادات من الناجين وناشطين ميدانيين.
قوات الدعم السريع منعت خلال الشهور الماضية دخول أي مساعدات غذائية أو طبية إلى المخيم، ما تسبب في مجاعة بطيئة، قبل أن تُجهز على من تبقى عبر القصف والقتل المباشر، في ظل ما وصفه سكان الفاشر بـ"الصمت الدولي المشين".
تقديرات أولية تشير إلى مقتل نحو 500 مدني، فيما لا تزال عمليات البحث عن الجثث والمفقودين جارية في ظروف بالغة الخطورة، وشهدت المنطقة انتهاكات وصفت بالوحشية، شملت اغتصابات علنية، اختطاف، وعمليات حرق ممنهج للمساكن ومراكز الإغاثة.
كارثة إنسانية مفتوحة
بعد الهجوم، فاضت شوارع الفاشر الغربية بالنازحين الجدد. يقول محمد آدم، وهو ناشط إغاثي، إن آلاف العائلات باتت تفترش الطرقات دون طعام أو ماء أو مأوى.
ويضيف: "الناس تموت بصمت... المرض والجوع يفتكان بالأطفال وكبار السن. نحتاج تدخلاً عاجلاً، لا بيانات شجب".
المعلمة فاطمة بشير، من سكان الفاشر، أكدت أن المدينة تعاني من انعدام شبه كامل للغذاء والمياه الصالحة للشرب، في ظل توقف شبكات الضخ بسبب انقطاع الوقود. وتساءلت: "كم من الناس يجب أن يموتوا حتى تتحرك الأمم المتحدة؟".
نزوح جماعي
بحسب المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، فإن نحو 186,560 شخصاً فروا من مخيم زمزم والمناطق المحيطة به إلى منطقة طويلة خلال الفترة من 3 إلى 14 أبريل، بعضهم على الأقدام أو بعربات الكارو، وآخرون على ظهور الدواب أو داخل شاحنات مهترئة.
النزوح الجماعي لا يزال مستمراً، وسط عجز كامل عن تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات.
مشهد دموي وأجهزة عاجزة
داخل الفاشر، فرضت السلطات المحلية حظر تجوال ليلي في محاولة لضبط الانفلات الأمني؛ إلا أن المعارك لم تتوقف.
قوات الدعم السريع تواصل التقدم نحو المدينة، وسط تقارير عن نيتها تنفيذ عمليات تصفية ضد "القوة المشتركة" التابعة لحركات الكفاح المسلح.
وقال المتحدث باسم القوة المشتركة، أحمد حسين مصطفى، إن ما جرى في زمزم كان هدفه المباشر استهداف هذه القوات، محذراً من أن ذلك "سيشعل نيران ثأر وانتقام لن تهدأ، وسيغيّر شكل الصراع في دارفور إلى الأبد".
الفاشر تقاتل للبقاء
رغم الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية والخدمات، يواصل سكان الفاشر التمسك بالحياة.
"ننتظر الجيش ليحررنا"، قال إبراهيم آدم، أحد سكان المدينة.
وأضاف: "الوضع لا يُحتمل، الناس تختنق حرفياً من الجوع والخوف. كل يوم يمر يعني سقوط ضحايا جدد".
الجيش السوداني أعلن أمس تنفيذ ضربات بطائرات مسيّرة ضد تجمعات الدعم السريع، أسفرت عن تدمير مركبات ومقتل العشرات. لكنه، وفق محللين، لا يزال بعيداً عن استعادة السيطرة على غرب السودان.
مأساة منسية
ومع دخول الحرب السودانية عامها الثالث، تكاد الأزمة تختفي من شاشات الأخبار.
لكن ما يجري، كما قال توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، هو "مجزرة بطيئة في وضح النهار".
في مقاله بصحيفة فايننشال تايمز، حذر من انهيار البنية الدولية التي بُنيت لحماية المدنيين في الحروب، مشيراً إلى أن ما يحدث في السودان "فضيحة أخلاقية للعالم".
في المقابل، لم تُدعَ الحكومة السودانية للمؤتمر الدولي الذي يُعقد اليوم في لندن بمناسبة الذكرى الثانية للحرب، ما أثار تساؤلات حول جدوى الجهود الدولية في وقف القتال أو تخفيف الكارثة الإنسانية.
دارفور على حافة الهاوية
صحيفة لوفيغارو الفرنسية نقلت عن محللين أن قوات الدعم السريع قد تلجأ لتكثيف استهداف المدنيين عبر المسيرات وحرق مخيمات النازحين، ضمن استراتيجية لحرب استنزاف بعد خسارتها للخرطوم.
أما صحيفة ليبراسيون، فوصفت الوضع بأنه "مجزرة بلا شهود".
ومع استمرار المعارك وتعدد الجهات الداعمة لكل طرف من خارج الحدود، يرى خبراء أن السودان يتجه نحو انقسام فعلي، مع وجود عملتين، وسلطتين، وتمزق كامل في النسيج الاجتماعي، وسط مجاعة هي الأشد منذ عقود.
كل لحظة تأخير تقتل
آخر ما تبقى من منظمات إغاثية في زمزم، وفق واشنطن بوست، هو فريق صغير تابع لمنظمة الإغاثة الدولية.
يقول مديرها كاشف شفيق: "كل لحظة تمر تعني أرواحاً تُزهق. لقد انتهى وقت الصمت، ويجب أن تنتصر الإنسانية".
شاهد:
https://www.youtube.com/watch?v=UM_XaadByHc
https://www.facebook.com/watch/?v=709049681689061
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=651100791049504&id=100084487666548