نشرت صحيفة هآرتس يوم الأربعاء أن إسرائيل تستعد لتوسيع ما تسميه "المنطقة العازلة"، لتشمل مدينة رفح وأحيائها المجاورة في جنوب غزة. المدينة التي كانت الملاذ الأخير للفلسطينيين النازحين تحولت إلى أنقاض بعد أسابيع من القصف المتواصل. القلة المتبقية من السكان فرت مجددًا نحو ما يُعرف بـ"المنطقة الإنسانية" قرب خان يونس والمواصي، حيث الجوع والقصف والمعاناة.
منذ خرق الهدنة في مارس، واصل الجيش الإسرائيلي تقسيم غزة إلى مناطق معزولة ضمن مخطط أوسع للسيطرة والتهجير. قبل أكتوبر 2023، كانت رفح تضم 350 ألف نسمة. وخلال الحرب، لجأ إليها أكثر من مليون نازح.
وتقول الكاتبة رويدا عامر بينما تصف حياتها الحالية في مقال نشره موقع ميدل إيست آي: "قبل أكثر من 20 عامًا، نزحت أسرتي وبحثنا عن مأوى قرب رفح بعد أن فقدنا منزلنا. لم تكن مسقط رأسي، لكنها تحولت إلى مكان عزيز. رغم الحملات العالمية التي نادت بأن "كل الأنظار تتجه إلى رفح"، تجاهل العالم الأمر وترك رفح لمصير مجهول. لكن محو المكان لا يمحو الذكريات أو آثار من عاشوا فيه".
قضيت طفولتي في مخيم خان يونس مع أجدادي. كنا نعيش قرب مواقع مراقبة إسرائيلية، نرى الجنود يوميًا أمامنا حتى هدموا منزلنا عام 2000. بعد تنقل دام عامين، حصلنا على منزل في الفخاري قرب رفح. المنطقة كانت زراعية وهادئة، ثم بدأت تستقبل عائلات نازحة.
في 2003، زرت سوق رفح لأول مرة مع والدتي لشراء ملابس العيد. المدينة تركت انطباعًا لا يُنسى: مليئة بالحياة، مزدحمة بالناس والمحلات. في وسطها، وقف مسجد العودة شامخًا، حيث جلست والدتي متعبة من المشي، وهو مشهد رسخ في ذاكرتي.
واجهت رفح حروبًا عدة، منها حرب 2014 التي خلفت ضحايا كثراً. امتلأت المشرحات، فوضعت الجثث في ثلاجات الآيس كريم. بعد ذلك، بدأ سكان المدينة بالمطالبة ببناء مستشفى.
وتابعت: "بحكم عملي الصحفي، بدأت أزور رفح باستمرار، خاصة بعد أن اقترح عليّ مركز غير حكومي تنظيم أنشطة علمية للأطفال هناك. ترددت لأنني كنت أعمل معلمة طوال الأسبوع ولا أملك إلا يوم الأحد للراحة، لكنني أحب دعم الطلاب، فبدأت أزور تل السلطان أسبوعيًا".
تل السلطان اليوم لم يعد موجودًا. لكن خلال تلك الأشهر، توثقت علاقتي برفح. أصبحت أتبرع أسبوعيًا لمسجد العودة وأدعو لشفاء والدتي المريضة. الأطفال كانوا يستقبلونني بفرح، وأنا كنت أحاول رسم الابتسامة على وجوههم.
من أكتوبر 2023 حتى مايو 2024، استضافت رفح أكثر من مليون نازح. بينما روّج الجيش الإسرائيلي للمنطقة على أنها "آمنة"، كانت الحقيقة مختلفة. بعد بداية الاجتياح البري في خان يونس، اعتمدنا على رفح لتأمين احتياجاتنا. ومع بدء العمليات فيها، أصبحنا محاصرين بين جبهتين.
نسمع كل صاروخ يسقط، ونشاهد الدخان يتصاعد. القصف لا يتوقف. لأسبوعٍ كامل، هدمت الجرافات منطقة الميراج المجاورة لنا، وهي أرض زراعية أسهمت في تغذية غزة خلال الحصار.
الآن، يتردد دوي المدافع باستمرار. تسقط الصواريخ كما لو أنها حجارة. عائلات كثيرة بقيت في رفح، تفضّل الموت في منازلها على النزوح مرة أخرى. نحن أيضًا بقينا. لا نرغب بالفرار.
كل ليلة، ندعو للبقاء على قيد الحياة. القصف مرعب، لكن الأسوأ هو إطلاق النار العشوائي من الطائرات. رغم كل شيء، تبقى رفح – مثل كل غزة – أرضًا تنشد الحرية، يريد أهلها العيش بسلام وكرامة.
رفح تحت الأنقاض، بالكاد تتنفس، لكنها ستظل حيّة في قلوبنا، كقلعة الصمود التي عرفناها دومًا.
https://www.middleeasteye.net/opinion/rafah-became-home-after-displacement-now-being-erased