في منزل مهجور على أرضية عارية، اجتمع أربعة أطفال أيتام بعد أن قطعوا مسافة تقارب 1,600 كيلومتر هربًا من الحرب الأهلية السودانية التي اجتاحت البلاد. انطلقوا من أم درمان، المدينة المجاورة للعاصمة الخرطوم، إلى دارفور، المنطقة الغربية التي باتت رمزًا للتطهير العرقي والمجازر والعنف الجنسي خلال الصراع الدامي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
تقول أسرار، البالغة من العمر 13 عامًا، والتي جلست بجانب أشقائها الثلاثة: التوأمان مصطفى ومجتبى (9 أعوام) وفاطمة (7 أعوام): "لم نستطع البقاء، الموت كان يحيط بنا من كل جانب".
خارج المنزل الذي استقروا فيه بمدينة الجنينة، عمل شقيقان آخران لتأمين الطعام: هارون (21 عامًا) في ورشة ميكانيكا، وعبدالله (15 عامًا) يبيع الماء على عربة يجرها حمار.
تجسد هذه العائلة حجم المأساة التي يعانيها السودان، مع اقتراب الذكرى الثانية للحرب. أكثر من خمسة ملايين طفل نزحوا عن منازلهم، ويحتاج نحو 14 مليونًا منهم إلى مساعدات إنسانية.
داخل غرفتهم المظلمة، تغطي الرسومات الطفولية جدران المنزل المنهوب. صوّرت تلك الرسومات المعارك التي دمرت حيّهم في أم درمان: دبابات، طائرات مسيّرة، ومدرعات ثقيلة. وُضعت هذه الصور دون حاجة إلى كلمات لشرح ما مرّ به هؤلاء الأطفال.
فقدت العائلة أمها، عائشة، في يوليو الماضي بعد إصابتها بالإسهال الحاد. لم يُعثر على مكان لعلاجها، وتوفيت خلال يومين. أما الأب، فقد خرج قبل اندلاع الحرب ولم يعد، وانقطع الاتصال به تمامًا. افترض الأطفال موته.
تدهورت الأوضاع في أم درمان، وفقدوا منزلهم واضطروا للعيش في الشوارع. مع تصاعد القصف الجوي، قرر شقيقهم في ليبيا إرسال بعض المال لدفع أجرة سائق أقلّهم نحو الجنينة، حيث كانت تقيم أختهم الكبرى إسراء.
لكن السائق تخلّى عنهم في منتصف الطريق بعد استلامه الأجرة، فاضطروا لبيع بعض متعلقات والدتهم، مثل العطور والملابس، والاعتماد على الفول للبقاء على قيد الحياة. ساعدهم غرباء بتقديم المال، ونام الأطفال في الشوارع لعدة أسابيع.
عند وصولهم إلى الجنينة، لم يعثروا على أختهم، وغالبًا ما تكون قد فرت إلى تشاد. وجدوا منزلها مدمرًا، فانتقلوا إلى بيت قريب مهجور يفتقر لأدنى مقومات الحياة.
المدينة نفسها لا توفر الأمان، إذ عانت من جرائم حرب كثيرة، بما فيها مذبحة دامية في 2023 أودت بحياة نحو 15 ألف شخص، بحسب تقارير حقوقية. وفي يناير 2025، أعلنت الولايات المتحدة أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية في غرب دارفور.
حتى رسومات الأطفال على الجدران – رغم بساطتها – احتوت على صور لأشخاص يحملون أسلحة.
المستقبل يبدو غامضًا لهؤلاء الأطفال، إذ يُحرم 17 مليون طفل سوداني من التعليم. هارون، الأخ الأكبر، تخلى عن حلمه بأن يصبح مهندسًا، قائلاً: "أريد تسجيل إخوتي في المدرسة. فاتهم عامان من الدراسة، ويجب أن يعودوا للتعلّم".
يعتمد الأطفال على كرم الجيران، الذين يشاركونهم القليل مما يملكون: خبز، شوربة، فول وعدس. ومع ذلك، تبقى الحياة اليومية مليئة بالصعوبات. يقول هارون: "نعيش على أمل أن ينتهي هذا الكابوس قريبًا".
https://www.theguardian.com/world/2025/apr/11/sudan-war-children-orphans-displaced-journey-safety-darfur