عادت أزمة عمال شركة "وبريات سمنود" للملابس بمحافظة الغربية إلى الواجهة مجددًا، بعد أن تفاقمت أوضاعهم إثر تأخر صرف أجور شهر مارس الماضي، واستمرار الإدارة في ما وصفوه بسياسات "التهديد والتنكيل والاحتجاز القسري"، ما أدى إلى موجة غضب متصاعدة داخل أروقة الشركة التي تأسست عام 1974 وكانت يومًا من دعائم صناعة النسيج في مصر.

وبحسب إفادات نقلتها دار الخدمات النقابية والعمالية، فإن إدارة الشركة تمضي على خطى تصعيدية غير مسبوقة في تعاملها مع مطالب العمال، الذين لم يتقاضوا سوى 80% من رواتبهم عن شهر مارس، دون صرف العلاوة الدورية، بالرغم من مرور أكثر من عام على صدور قرار رئاسي ملزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور البالغ 7000 جنيه.
 

خصم وتحقيق واحتجاز.. هكذا ردّت الإدارة
   يقول عمال بالشركة إنهم أوقفوا العمل لنحو نصف ساعة فقط، للمطالبة ببقية مستحقاتهم، فجاء الرد من رئيس مجلس الإدارة متمثلًا في "تطاول لفظي، وخصم تعسفي من الأجور، وتهديد بالسجن والفصل، واحتجاز لما بعد ساعات العمل الرسمية دون مقابل"، وفق وصفهم.

ووصف بيان دار الخدمات النقابية هذه الإجراءات بأنها امتداد لنهج قمعي بدأ منذ أكثر من عام، بلغ ذروته في سبتمبر 2024، حين أُبلغ عن عشرة من العمال، واحتُجزوا لأكثر من أسبوعين في ظروف قالت الدار إنها "قاسية ومهينة"، فقط لأنهم طالبوا بتطبيق قرار الحد الأدنى للأجور.
 

النساء العاملات.. في مرمى الانتهاكات
   الانتهاكات لم تتوقف عند التهديد والخصم، بل طالت كرامة العاملات داخل الشركة. إذ أفاد البيان بأن رئيس مجلس الإدارة "تطاول بألفاظ نابية على العاملات"، وأمر باحتجازهن بعد انتهاء الدوام الرسمي دون مقابل، لمجرد توقفهن لخمس دقائق للمطالبة بأجورهن.

وذكرت الدار أن الإدارة أحالت بعض العاملين إلى التحقيق، بزعم المطالبة بالعلاوة الدورية، مقترحةً معادلة غير مسبوقة بضم العلاوة إلى الأجر المتغير لا الأساسي، في مخالفة واضحة للمعايير القانونية والأعراف السائدة في القطاعين العام والخاص.
 

فصل تعسفي وقرارات انتقامية
   من أبرز فصول الأزمة المستمرة، فصل القيادي العمالي هشام البنا تعسفيًا رغم تبرئته من التهم الموجهة إليه سابقًا، ورفض الإدارة عودته للعمل، مع استمرار صرف نصف أجره الأساسي فقط. الأمر الذي وصفته الدار بأنه "تحدٍ صارخ للقانون".

وكان العمال قد خاضوا في أغسطس 2024 إضرابًا استمر شهرًا كاملًا للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، انتهى بزيادة قدرها 200 جنيه فقط، واعتقال تسعة من العمال والعاملات بتهم "التحريض على الإضراب والتجمهر ومحاولة قلب نظام الحكم"، قبل أن يتم الإفراج عنهم لاحقًا دون تحقيق المطالب الأساسية.
 

قانون لا يُطبَّق وإدارة فوق المساءلة
   رغم أن القرار الرئاسي برفع الحد الأدنى للأجور إلى 7000 جنيه شمل جميع جهات العمل بلا استثناء، وأكد المجلس القومي للأجور في كتابه الدوري على إلغاء استثناءات الشركات المتعثرة، إلا أن إدارة "وبريات سمنود" لم تطبق القرار حتى الآن، وتواصل صرف متوسط أجور لا يتجاوز 3500 جنيه شهريًا، بينما الأجر الأساسي لبعض العمال المخضرمين لا يتجاوز 2000 جنيه.

ورغم ملكية الحكومة لنحو 65% من أسهم الشركة – ممثلة في هيئة التأمينات الاجتماعية، وشركة مصر للتأمين، وهيئة الأوقاف – إلا أن العاملين يؤكدون أن الوزارات المعنية لا تتدخل لوقف الانتهاكات أو تطبيق القانون.
 

دار الخدمات تطالب بالمحاسبة
   طالبت دار الخدمات النقابية والعمالية وزيرة الاستثمار، التي تترأس في الوقت نفسه المجلس القومي للأجور، بتحمل مسؤولياتها تجاه ما يجري في "وبريات سمنود"، ووقف هذه الممارسات القمعية، ومحاسبة الإدارة الحالية على انتهاكاتها المتكررة.

كما ناشدت الحكومة بضرورة متابعة تطبيق الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، وعدم ترك العمال فريسة للإهمال والتنكيل، خاصة مع تدني أجورهم إلى ما دون الحد الأدنى من احتياجات أسرهم.
 

شركة منسيّة وتاريخ يتآكل
   تعد شركة "سمنود للنسيج والوبريات" إحدى أقدم الكيانات في صناعة الغزل والنسيج بمصر، وكانت تضم ثلاثة مصانع كبرى، إلى أن تعطلت معظم معداتها، وتقلص عدد العاملين فيها من قرابة 2000 إلى أقل من 600 عامل، أكثر من نصفهم من النساء.