تقف تركيا في موقع استثنائي على الخط الفاصل بين الشرق والغرب اقتصاديًا، في وقت يستعد فيه العالم لاحتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وما قد يصاحبها من اضطرابات تجارية. تعتمد سياسات ترامب على نهج حمائي قائم على فرض رسوم جمركية وعقد اتفاقيات ثنائية، ما يضع تركيا أمام فرصة مزدوجة: الاستفادة من موقعها الجغرافي، أو الوقوع في دائرة المخاطر.

أشار رئيس غرفة تجارة إسطنبول، شكب أفداغيتش، خلال ندوة اقتصادية إلى أن الولايات المتحدة باتت تستخدم الرسوم الجمركية كسلاح تفاوضي، لا كأداة اقتصادية تقليدية، وهو ما يستوجب من صناع القرار في أنقرة إعادة تقييم الوضع والرد وفق معطيات جديدة.

د. زيا أونيس، أستاذة الاقتصاد السياسي الدولي في جامعة "كوتش"، أوضحت أن اعتماد تركيا الكبير على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يجعل اقتصادها عرضة للتقلبات. ودعت إلى تنويع الأسواق التصديرية نحو أفريقيا وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا.

قلبت سياسة "أمريكا أولًا" التي يتبناها ترامب قواعد التجارة العالمية. وفقًا لما ذكره الباحث تشاد ب. براون في كتابه حرب التجارة الأمريكية الصينية، فإن الرسوم في عهد ترامب أصبحت وسيلة لتحقيق النفوذ الجيوسياسي لا لتحقيق الكفاءة الاقتصادية.

وتسعى تركيا لتكون مركزًا إقليميًا للإنتاج واللوجستيات، لكن ارتباطها الجمركي القديم بالاتحاد الأوروبي يقيد تحركاتها، ويجعلها أقرب إلى أوروبا من واشنطن. قدرتها على المناورة وسط هذا التحول العالمي تعتمد على قدرتها في تقليص المخاطر وتعزيز الانفتاح الدبلوماسي.

د. ميليك يتكن، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، نصحت خلال ندوة في واشنطن بأن تتعامل أنقرة مع ترامب عبر قنوات خلفية واتصالات هادئة بدلًا من الصدام العلني، في ظل أسلوبه الدبلوماسي الفردي وغير التقليدي.

خلال العقد الماضي، وجهت تركيا تركيزها نحو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ورفعت حجم تجارتها مع الدول الأفريقية إلى أكثر من 40 مليار دولار بحلول 2023. ويُعد ممر "الشرق – الغرب" بين تركيا والصين عبر آسيا الوسطى جزءًا من استراتيجية تجارية طويلة الأمد.

ورأى السفير أحمد أوزومجو، المستشار في شؤون الحوكمة العالمية، رأى أن على تركيا ترسيخ موقعها كموازن إقليمي بدلًا من استخدام الخطاب التصادمي، خاصة في حال تزايد الانقسام بين الغرب وصعود قوى الجنوب العالمي.

إلى جانب الرسوم الجمركية، تتداخل ملفات التكنولوجيا والاستدامة في رسم ملامح التجارة العالمية. التزام تركيا بخطة "الاتفاق الأخضر" وفق المعايير الأوروبية يعزز فرصها في الصناعات النظيفة مثل السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية. انسحاب واشنطن المحتمل من الاتفاقيات المناخية قد يفتح بابًا أمام أنقرة لتعزيز موقعها في سوق الطاقة النظيفة، بحسب ما ذكره خبير الطاقة مصطفى يلماز.

من جهته، أشار الاقتصادي داني رودريك إلى أهمية صياغة استراتيجيات هجينة للدول الصاعدة، مؤكدًا أنه لا توجد وصفة موحدة بعد الآن، بل يجب اختيار الشراكات والحماية التجارية بشكل انتقائي.

رغم ذلك، تواجه تركيا تحديات داخلية تهدد مرونتها في التعامل مع الصدمات الخارجية، أبرزها التضخم، تقلبات العملة، وارتفاع معدلات بطالة الشباب. الاستقرار الاقتصادي الداخلي يبقى أساسًا لمواجهة المفاجآت كفرض رسوم مفاجئة أو انسحاب رؤوس الأموال.

د. دريا جورير، الخبيرة الاقتصادية من لندن، شددت على ضرورة تبني سياسات شفافة وتنويع مصادر التمويل، إلى جانب دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة لتتكيف مع قواعد التجارة الرقمية الدولية.

التغيرات القادمة تتطلب من تركيا أن تتحرك بشكل استباقي بدلًا من رد الفعل، وأن تعزز تحالفاتها الذكية وتزيد من صادراتها ذات القيمة المضافة. وكما قال الدبلوماسي التركي الراحل إسماعيل جِم: "السياسة الخارجية يجب أن تركز على تعزيز المرونة الوطنية بدلًا من الانحيازات الثابتة."

https://www.middleeastmonitor.com/20250409-opportunities-and-risks-how-turkiye-might-navigate-trumps-trade-shake-up/