تشهد الساحات المصرية حالة غليان غير مسبوقة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، حيث يعبر الشارع عن تضامنه مع الفلسطينيين وسط حملة قمع ممنهجة من السلطات، وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية الصادرة في مارس 2024. فبينما تتصاعد المطالبات الشعبية بوقف التعاون مع إسرائيل وفتح معبر رفح، يواجه النظام هذه المطالب بقبضة حديدية.

الحراك الطلابي: شرارة الاحتجاج
أشعل طلاب الجامعات شرارة الاحتجاجات في جامعات القاهرة والإسكندرية وعين شمس، حيث رفعوا شعارات تطالب بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني وفتح المعابر. لكن الأجهزة الأمنية واجهت هذه التحركات باعتقالات عشوائية، حيث أكدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في تقريرها الصادر في فبراير 2025 اعتقال أكثر من 300 طالب وناشط منذ أكتوبر 2023.

الإعلام بين التضليل والتعتيم
تبنت وسائل الإعلام الرسمية مثل قناة "إم بي سي مصر" خطابًا يبرز "جهود الوساطة" المصرية، بينما تجاهلت تمامًا حجم الغضب الشعبي، كما ذكر مرصد "صحفيون ضد التعذيب" في يناير 2025. وعمدت إلى تشويه صورة المتضامنين مع غزة ووصفهم بأوصاف مهينة.

أما المنصات الإعلامية المستقلة مثل "مدى مصر" التي حاولت نقل الصورة الحقيقية للوضع، فتعرضت للحجب المتكرر، في إطار سياسة منهجية لتكميم الأفواه. تشير تقارير منظمة "مراسلون بلا حدود" الصادرة في ديسمبر 2024 إلى أن مصر تحتل المرتبة الثالثة عربيًا في حجب المواقع الإلكترونية.

الفجوة بين الشارع والسلطة
يكشف التعامل مع أزمة غزة عن هوة واسعة بين مطالب الشارع المصري ومواقف السلطة. فبينما يطالب المواطنون بمواقف حاسمة تجاه إسرائيل، يكتفي النظام بخطاب دبلوماسي يحفظ المظاهر دون أي تغيير حقيقي على الأرض، خاصة فيما يتعلق بمعبر رفح الذي ظل مقفلاً في معظم الأوقات، كما وثق مركز "البديل" للدراسات في نوفمبر 2024.

الأحزاب الموالية: أدوات لتلميع الصورة
سارعت الأحزاب الموالية مثل "حزب مستقبل وطن" إلى تبني الخطاب الرسمي دون أي اعتبار لمشاعر الشارع، بل ذهب بعضها إلى تنظيم فعاليات ترفيهية في سيناء في توقيت كان الفلسطينيون يعانون فيه من القصف اليومي، كما رصدت منصة "منشور" الإخبارية في مارس 2025، في مشهد أثار سخرية واسعة.

قمع يغذي الغضب
يكشف التعامل مع قضية غزة عن أزمة عميقة في النظام المصري، حيث يزداد القمع الأمني في وقت يتصاعد فيه الغضب الشعبي، كما تشير تقارير "هيومن رايتس ووتش" الأخيرة. وتؤكد الأحداث أن سياسة كبت الحريات وتكميم الأفواه لم تعد قادرة على إخفاء حجم السخط المتزايد تجاه السياسات الرسمية، سواء في القضية الفلسطينية أو على الصعيد الداخلي.