في التاسع من أبريل من كل عام، يستحضر الفلسطينيون ذكرى واحدة من أبشع الجرائم التي ارتُكبت بحقهم قبل إعلان قيام إسرائيل بشهر واحد.
إنها مجزرة دير ياسين، التي نفذتها عصابات صهيونية بحق سكان قرية فلسطينية هادئة تقع غرب القدس.
وعلى الرغم من مرور 77 عامًا، لا تزال تفاصيل هذه المجزرة حاضرة في الذاكرة الجماعية، شاهدة على دموية المشروع الصهيوني ووحشيته منذ نشأته.
قرية دير ياسين.. من الازدهار إلى الإبادة
دير ياسين لم تكن مجرد قرية فلسطينية كباقي القرى، بل كانت نقطة استراتيجية ومجتمعا نابضًا بالحياة، تشهد على ذلك وثائق العهد العثماني والنشاط الاقتصادي المميز الذي عرفته.
بدأت الأطماع الصهيونية بالقرية مبكرًا منذ عام 1906، حين بدأ الاستيطان اليهودي يتسلل إلى محيطها.
ومع احتلال القوات البريطانية لفلسطين، أصبحت دير ياسين هدفًا معلنًا لمشروع التهجير والإبادة الذي سيتضح لاحقًا في أبريل 1948.
يوم المذبحة.. تفاصيل الهجوم وسيناريو الرعب
فجر التاسع من أبريل 1948، وفي الوقت الذي كانت فيه الأنظار مشدودة إلى استشهاد القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني في معركة القسطل، كانت العصابات الصهيونية تعد العدة لاجتياح دير ياسين.
خطط عسكرية دقيقة من 4 محاور، هجوم بالمصفحات والقنابل والهاون، اقتحام مفاجئ، ثم تنفيذ خطة الإبادة بدم بارد.
بحسب الروايات الميدانية، بدأ الهجوم بقصف عنيف مهد للاقتحام، تلاه دخول ميليشيات الصهاينة إلى القرية لقتل كل من بقي حيًا، بما في ذلك الأطفال والنساء والشيوخ.
لم يكتفوا بالقتل، بل مارسوا عمليات اغتصاب وتمثيل بالجثث، بحسب شهادات ناجين وشهود أجانب أبرزهم ممثلو الصليب الأحمر.
القتلة بالأسماء
مناحيم بيغن وإسحق شامير.. من الجريمة إلى رئاسة الحكومة
قاد المجزرة اثنان من أخطر قادة العصابات الصهيونية: مناحيم بيغن زعيم "الأرغون"، الذي سيصبح لاحقًا رئيسًا لوزراء إسرائيل ويحصل على "نوبل للسلام"!
وكذلك إسحق شامير، زعيم عصابة "شتيرن"، ورئيس حكومة سابق أيضًا. كلاهما اعتبر دير ياسين نموذجًا ناجحًا لسياسة "التهجير بالرعب".
اعترف بيغن لاحقًا أن المجزرة كانت نقطة تحول ساعدت في فتح الطريق نحو السيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية، بل وتباهي علنًا بما أسماه "خلق الرعب" في قلوب الفلسطينيين، ما تسبب في هجرة جماعية من القرى المجاورة.
حصيلة الدم.. بين الحقيقة والدعاية
العدد الأدق للضحايا لا يزال موضع جدل، بين الروايات الفلسطينية التي تتحدث عن 250 إلى 300 شهيد، معظمهم من المدنيين، وبين روايات صهيونية حاولت تقليل العدد أو حتى تضخيمه لأغراض دعائية.
ما هو مؤكد أن المجزرة كانت ذات طابع تطهيري، إذ استخدمت فيها كل أدوات القتل والترويع، من الرصاص إلى القنابل، ومن السكاكين إلى السخرية العلنية من الجثث في شوارع القدس.
الصليب الأحمر.. شهادات دولية على الفظاعة
كانت شهادة جاك دو رينييه، ممثل الصليب الأحمر، من أكثر الشهادات رعبًا ووضوحًا.
وصف كيف دخل القرية ووجد الجثث مكدسة، والأسلحة البيضاء ملطخة بالدماء، والضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ ملقين في كل مكان.
أما كبير مندوبي الصليب الأحمر، كريتش جونز، فأكد أن المجزرة "لم يكن لها مبرر عسكري"، ووصفها بأنها "جريمة مكتملة الأركان".
حجب التاريخ.. إسرائيل تخفي وثائق المجزرة
رغم مرور أكثر من سبعة عقود، تواصل إسرائيل إخفاء وثائق المجزرة في أرشيف جيشها، بدعوى أن كشفها قد يضر بعلاقاتها الخارجية.
لكن شهادات بعض ضباط الاستخبارات الصهاينة، مثل مائير باعيل، تكشف حجم الجريمة وتؤكد نية القتل الجماعي، ما يعزز المطالب الفلسطينية والدولية بفتح الأرشيف الإسرائيلي أمام لجنة تحقيق دولية مستقلة.
دير ياسين.. ليست استثناءً بل قاعدة
تؤكد المجازر المتكررة التي ارتُكبت في عام 1948 أن دير ياسين لم تكن سوى نموذج مكرر لسياسة الإبادة الجماعية التي اعتمدتها العصابات الصهيونية.
أكثر من 80 مجزرة موثقة خلال احتلال 400 قرية فلسطينية، بحسب مؤرخين فلسطينيين، كلها حملت ذات الطابع: الترويع والقتل والتشريد.
إرث المجزرة.. ذاكرة مفتوحة في وجه النسيان
لا تزال دير ياسين جرحًا مفتوحًا في الذاكرة الفلسطينية. لم تُمحَ آثارها رغم محاولات الطمس عبر إعادة بناء القرية وتغيير أسماء شوارعها.
بل على العكس، تؤكد كتابات مؤرخين إسرائيليين جدد مثل آفي شلايم وإيلان بابيه وبيني موريس، أن الرواية الفلسطينية دقيقة في توصيفها لما جرى، ما يعزز المطلب الفلسطيني بإعادة فتح هذا الملف في المحافل الدولية.
شاهد
https://www.youtube.com/watch?v=5l-tvgj-aEo
https://www.youtube.com/watch?v=KnoTMgbb2vg