إن على الأمة المسلمة إن أرادت البعث والحياة من جديد أن تعيد المصطلحات والمفاهيم إلى وضعها الأصلي، وتستنير بشرعة القرآن ومنهاج النبوة.
إذ أصل التلقي في هذه الأمة من الوحي، فتقوم بعملية تفكيك العقل المسلم المفتون بالفكر الوافد ومصطلحاته، وربطه من جديد بالوحي قرآنا وسنة، وتركيبه تركيبة ربانية نبوية.
وهذا شرط رئيس في بعث الحياة في الأمة والنهوض بها، لتتبوأ مكانة الريادة والقيادة في العالم.
ولأجل ذلك صار فرضاً بناء الأمة وتعديلها من جديد لتعود كما بدأت خير أمة أخرجت للناس، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتجديد فهم الأمة للقرآن، ولن يتجدد فهم الأمة للقرآن حتى يتجدد فهم مصطلحات القرآن بفهم السلف الصالح.
ولكون المصطلحات في القرآن ربانية المصدر، فإنها لا تتبدل ولا تتغير في لفظها ولا في دلالتها ولا في معانيها.
فهي تمتاز بالثبات المطلق الذي يجعل أي تدخل في تبديل معاني ألفاظها ودلالاتها تحريفاً للكلم عن مواضعه.
ولذلك ينبغي تحرير المصطلحات وضبطها ضبطاً محكماً في حدود الشرع؛ وهو ما أوحاه الله عز وجل إلى رسوله الكريم ﷺ، فليس لأحد أن يبدِّل معاني هذه الألفاظ ولا أن يغيِّر معانيها، بل يجعلها بمراداتها الشرعية حاكمة على التصورات، ضابطة للعلوم.
ولهذا، فإن دلالات ومفاهيم المصطلحات في القرآن واضحة بينة لا تختلف باختلاف البيئات والثقافات، فهي ألفاظ الوحي التي لا يأتيها الباطل. ولذا يتفق المتمسكون بدلالتها ولا يختلفون حولها باختلاف العصور والبيئات.
وإزاء هذا الثبات والاتفاق على معاني ودلالات المصطلحات في القرآن الكريم، فالواجب نحولها يقتضي: المحافظة على المصطلحات القرآنية لفظاً ومعنىً، قلباً وقالباً.
فتستعمل المصطلحات في القرآن الكريم للدلالة على مرادهها، ولا يسمى بغير اسمها، سواءً كان المراد حسناً أم قبيحاً.
على أن الاهتمام بالمصطلحات في القرآن والمفاهيم القرآنية هو جزء هام من مسألة التأصيل الشرعي في الصحوة العملية التي تشهدها الأمة الإسلامية اليوم.
والتعبير عن الحق بالمصطلحات في القرآن هو سبيل أهل السنة والجماعة ومنهاجهم الذي لزموه وما فارقوه يوماً ما، لأن المصطلحات في القرآن الكريم التي جاءت في الكتاب العزيز يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يُقِرَّ بها ويعتمدها في علمه واستدلاله.
فاللفظ الذي أثبته الله جلَّ ذكره أو نفاه حق. فالله تقدست أسماؤه يقول الحق ويهدي السبيل. والألفاظ الشرعية لها حرمة، ومن تمام العلم أن يبحث المؤمن والمؤمنة عن مراد الله تعالى في كتابه الكريم، فيثبت ما أثبته الله جلَّ شأنه من المعاني والدلالات، وينفي ما نفاه من المعاني والدلالات؛ لأن طاعة الله تعالى واجبة في كل أمر.
خصائص المصطلحات في القرآن
وجدير بالذكر أن المصطلحات في القرآن هي كلمات الله تعالى التي تتميز عن باقي المصطلحات والكلمات بأربع خصائص:
- من حيث الدلالة والمعنى تتفرد بكمالها وجمالها وربانيتها، وبارتفاعها وتعاليها عن الخضوع لحدود الزمان والمكان، وتنزُّهها عن كل أشكال الخطأ والزيغ والنسبية.
﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف: 10] - من حيث الشكل والمبنى، تتميز كلمات الله تعالى بدقتها وإحكامها وبلاغتها وجمالها، ومراعاتها لحال المُخَاطَب والخطاب. وهذا مُفَصَّلٌ مُبَيَّنٌ في كتب إعجاز النظم القرآني.
ولا عجب فإن الله جل ثناؤه عليم حكيم خبير، وكلماته حكيمة، كما أنه عزَّ ذكره جميل ولكماته بلغت الغاية في الجمال والكمال. - من حيث علاقتها ببعضها، تتميز كلمات الله تعالى بتكاملها وانسجامها ونسقيتها؛ فلا اختلاف ولا تعارض بينها، ولا تصادم ولا تضاد بين مضامين ومفاهيم المصطلحات في القرآن: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].
- من حيث وقعها وتأثيرها، تتميز كلمات الله تعالى بشحنتها الروحية القوية، وتأثيرها النفسي الكبير، ذلك أن القرآن العظيم روح من أمر الله تعالى تحيا به القلوب كما يَحْيى الزرع بالماء: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ [الشورى: 52-53].
أهمية المصطلحات في القرآن
إن القرآن المجيد أقام للمصطلح وزناً وأولاه أهمية كبيرة، فجاءت مصطلحات القرآن الكريم منتقاة، ودالة على المعنى الذي أراده الحق تبارك وتعالى، وغنية بالإيحاءات والإرشادات، والمعاني والدلالات التي جعلتها خَزَّاناً لا ينضب، يغني المسلمين عن كل فكر وافد، ويمدهم بالأحكام والقيم والمبادئ التي تجعل حياتهم مليئة بالخير والبركة والسعادة والأمن والرفاه.