لم يكن محمود يعلم أن نزوله إلى بئر ماء محفوف بالموت، تحت حرارة الشمس وبأدوات بدائية، نزل الشاب العشريني إلى باطن الأرض، يبحث عن شريان ماء ينقذ محصولًا عطشانًا، لكنه خرج منها جثة هامدة بعد أن انهارت التربة عليه، إلى جواره كان مصطفى، صديقه ورفيق المعاناة، يصارع الموت هو الآخر، قبل أن يُنقذ بأعجوبة ويُنقل إلى المستشفى.

الواقعة التي شهدتها قرية النواهض التابعة لمركز أبوتشت شمال محافظة قنا، ليست مجرد حادث مأساوي، بل مرآة تعكس معاناة الفلاحين اليومية في وجه سياسات مرهقة تضعهم بين سندان الفقر ومطرقة البيروقراطية.
 

20 ساعة لإنقاذ جثمان
   
في مشهد مؤلم، هرعت فرق الإنقاذ إلى المزرعة فور بلاغ بانهيار بئر مياه أثناء الحفر. وسط صرخات الأهالي ومحاولات إنقاذ يائسة، استغرقت عمليات البحث عن جثمان "محمود" أكثر من 20 ساعة، لتخرج جثته في النهاية محمولة على الأكتاف، بعدما ابتلعته الأرض التي حاول أن يروّيها.

أما "مصطفى"، فتم إنقاذه في اللحظات الأخيرة، حيث نُقل إلى المستشفى مصابًا بإصابات متعددة، وما يزال يتلقى العلاج.
 

لماذا يحفرون بهذه الطريقة؟
   مع ارتفاع رسوم استخراج تراخيص الحفر، وتكاليف استخدام ماكينات الري المرخصة، بات كثير من الفلاحين، خاصة في الصعيد، يلجأون إلى أساليب تقليدية بدائية، رغم خطورتها الكبيرة. في قرى مثل النواهض، تُحفر الآبار يدويًا أو عبر معدات بسيطة دون إشراف هندسي، ما يزيد من احتمالية الانهيار، كما حدث مع محمود ومصطفى.
 

سياسات مائية تقتل ببطء؟
   بحسب تصريحات عدد من المزارعين، فإن الرسوم المفروضة على تقنيات الري الحديثة، إلى جانب تعقيدات الإجراءات، تضعهم في مأزق دائم، يقول أحدهم: "ما نقدرش ندفع 100 ألف جنيه في تصريح، نضطر نحفر بطرق بدائية، ونخاطر بحياتنا، عشان الأرض ما تموتش".

ويضيف آخر: "كل ما الحكومة تزود الأسعار، إحنا نغوص أكتر في الخطر".
 

مطالبات بمراجعة السياسات
   أثار الحادث موجة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، حيث طالب الكثيرون بمراجعة السياسات الحكومية المتعلقة بحفر الآبار، وتقديم تسهيلات للفلاحين، خصوصًا في المناطق الفقيرة.
كما شدد خبراء زراعيون على ضرورة توفير حلول بديلة وآمنة، تشمل الدعم الفني والإعفاءات الجزئية من الرسوم، لتفادي تكرار هذه الكوارث.