نفت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، وجود مؤشرات على تحسينات هيكلية بشأن ممارسات التعذيب في مصر، بحسب تقرير نشرته قبل يومين، بعنوان: «لا تراجع عن التعذيب في مصر اختلاف المسئولين ومنهجية أدوات التعذيب ووحدتها – تحليل لـ 569 شهادة تعذيب في مرحلة ما قبل المحاكمة من 2013 إلى 2021».
تناول التقرير شهادات 569 شخصًا اتهموا في 12 قضية ذات طابع عنف سياسي حللتها الجبهة في التقرير، وقالت إنها شهدت انتهاكات أدت إلى وفيات تحت التعذيب أو إصابات خطيرة.
ويسبط التقرير الضوء على استمرارية ممارسات التعذيب في مصر رغم الالتزامات الدولية والتوصيات السابقة. يركز التقرير على تحليل شهادات الضحايا لتقديم صورة منهجية عن أنماط التعذيب المستخدمة، مدى انتشارها، والآثار القانونية والإنسانية المترتبة عليها، في ظل غياب أي إجراءات فعالة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات. ويغطي التقرير حالات تعذيب موثقة في مرحلة ما قبل المحاكمة على مدار 8 سنوات.
في يونيو 2017 نشرت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة نتائج تحقيقها عن التعذيب في مصر، وتوصلت اللجنة أن قوات الأمن في مصر تستخدم التعذيب بشكل منهجي. وقدمت اللجنة توصيات عاجلة إلى مصر، بما في ذلك وضع حد فوري لممارسة التعذيب وسوء المعاملة في جميع أماكن الاحتجاز؛ وضمان قيام المسؤولين على أعلى مستوى بإدانة التعذيب وسوء المعاملة من قبل وكلاء الدولة علنًا، واعتماد سياسة عدم التسامح مطلقًا؛ وملاحقة مرتكبي التعذيب، بما في ذلك أولئك الذين لديهم مسؤولية قيادية أو عليا.
الآن بعد مُضي سبع سنوات على هذه التوصيات مازال ملف التعذيب في مصر من الملفات الشائكة التي لا تتوافر أي دلائل على تحسينات أو إصلاحات هيكلية فيه أو علاج بقايا هذا الملف القديمة، والتي مازالت آثارها ممتدة حتى تاريخه. في ظل هذا الواقع، يسعى هذا التقرير لرسم صورة مكثفة عن ممارسات التعذيب في مصر والتي أدت إلى جملة من الانتهاكات البالغة لحقوق الإنسان وحقوق المحاكمة وأضرت بسير العدالة من خلال تحليل أوراق عدد من القضايا التي مورست فيها أساليب التعذيب وامتهان الكرامة والمعاملة القاسية على نطاق واسع دون مساءلة أو مراجعة جادة من السلطات المصرية توافقا مع التزاماتها الدولية، أو تعويض للضحايا أو تقديم العون الطبي لهم.
يعتمد هذا التقرير على استقراء وتحليل أوراق تحقيقات 12 قضية لاستخلاص شكايات وأقوال المتهمين فيها حول ما تعرضوا له من انتهاكات تعذيب ومعاملة قاسية، وكيفية استجابة السلطات الرسمية والقضائية لهذه الشكاوى، ومحاولة إنصاف الضحايا. وفي ظل شمول هذه القضايا لمئات من المتهمين، فقد اعتمد التقرير في معلوماته على شهادة 569 محتجز فقط لجهات التحقيق والنيابة، وهم من وقع القبض عليهم بالفعل من المتهمين على ذمة هذه القضايا، وجرى التحقيق معهم. تشمل هذه الأوراق كل من محاضر التحقيقات ومحاضر وجلسات تجديد الحبس، والتي استمرت في حالة البعض منهم لسنوات. يغلب على هذه القضايا كونها قضايا عنف سياسي بواقع 10 قضايا باشرت التحقيقات فيهم نيابة أمن الدولة العليا، والنيابات العسكرية، وحكمت في بعضها محاكم مدنية وأخرى عسكرية.
يؤكد التقرير أن التعذيب في مصر يُمارس بشكل ممنهج، استنادًا إلى مئات الأدلة والشهادات التي تُسلط الضوء على انتشار هذه الممارسات والمعاناة الجسدية والنفسية التي يكابدها الضحايا. ويتضح أن أعضاء قطاع الأمن الوطني وضباط الشرطة يتحملون المسؤولية المباشرة عن هذه الانتهاكات، إلى جانب تورط عناصر من المخابرات العامة والعسكرية والنيابة العامة، وبالأخص نيابة أمن الدولة. كما تتحمل النيابة العامة مسؤولية كبيرة بسبب تقاعسها عن التحقيق في ادعاءات التعذيب التي يثيرها المتهمون أثناء جلسات التحقيق والتجديد، واعتمادها على الاعترافات المنتزعة تحت الإكراه كأدلة إدانة.
كما أظهرت الأوراق أن التعذيب لا يقتصر على مرحلة معينة، بل قد يتعرض له المحتجز طوال فترة احتجازه، بما في ذلك داخل السجون الرسمية وأقسام الشرطة. وقد يؤدي ذلك إلى آثار جسدية دائمة يصعب علاجها، حيث يعاني عدد غير قليل من المتهمين من إصابات مستديمة نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرضوا له على أيدي ضباط أمن الدولة. كما تُوفي العديد من المعتقلين السياسيين نتيجة التعذيب، مثل الاقتصادي المصري أيمن هدهود، الذي تحيط بوفاته شكوك قوية حول ارتباطها بالتعذيب الوحشي من قبل ضباط الأمن الوطني بعد اعتقاله. ورغم ذلك، لم تفتح النيابة العامة تحقيقًا مستقلًا وفعّالًا لكشف ملابسات وفاته.
يشير التقرير كذلك إلى الغياب الفعّال لدور النيابة العامة في تقديم المسؤولين عن التعذيب إلى العدالة ومحاسبتهم وفقًا للقانون، مما يقوض الثقة في النظام القضائي ويعزز ثقافة الإفلات من العقاب.
🔗للاطلاع على التقرير: