أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع، تعيين الشيخ أسامة عبد الكريم الرفاعي مفتيًا عامًا للجمهورية العربية السورية. هذا القرار يمثل إعادة إحياء لمنصب المفتي العام الذي ألغاه النظام السابق، وهو بمثابة نقطة تحول تعكس توجهات الدولة الجديدة نحو إرساء خطاب ديني يعكس روح الثورة ووعي المرحلة الانتقالية.

 

عودة المنصب الشرعي بوجه جديد

في كلمة ألقاها خلال مؤتمر تشكيل مجلس الإفتاء الأعلى، أكد الرئيس الشرع أن إعادة منصب المفتي العام يأتي في إطار تصحيح المسار وإعادة بناء المؤسسات الدينية التي دمرها النظام السابق.

وقال: "كان لزامًا علينا أن نعيد لسوريا ما هدمه النظام الساقط، ومن أهمها إعادة منصب المفتي العام للجمهورية العربية السورية"، مشددًا على أن الشيخ أسامة الرفاعي "رجل من خيرة علماء الشام".

وتم الإعلان عن تشكيل مجلس إفتاء يضم 15 عضوًا برئاسة الرفاعي، والذي سيتولى مسؤولية إصدار الفتاوى وضبط الخطاب الديني، ليكون أداة لتوحيد الصفوف وتعزيز الهوية الوطنية بعيدًا عن الفُرقة والتطرف.

 

سيرة شيخٍ مناضل: من دمشق إلى المنفى ثم العودة

ولد الشيخ أسامة الرفاعي عام 1944 في دمشق في بيت علم ودعوة، حيث نشأ في ظل والده العلامة عبد الكريم الرفاعي، وتلقى العلوم الشرعية على يد كبار علماء الشام، لم يكن الشيخ مجرد فقيه تقليدي، بل كان من أوائل من ناهضوا النظام الأسدي، ووقف ضد مجازر النظام منذ عهد حافظ الأسد وحتى فترة بشار الأسد.

مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تحول مسجد الرفاعي الذي كان يخطب فيه إلى منبر للثوار، ما جعله هدفًا لنظام الأسد، وتعرض للاعتداء خلال صلاة التهجد في رمضان، قبل أن يُجبر على مغادرة سوريا متجهًا إلى تركيا، حيث واصل نضاله من هناك، وأسّس المجلس الإسلامي السوري عام 2014، وانتُخب مفتياً للمعارضة السورية عام 2021.

 

بين التصوف السني ومناهضة التكفير

ينتمي الشيخ الرفاعي إلى "جماعة زيد" الصوفية السنية المعتدلة التي أسسها والده، وهو من أبرز المناهضين للفكر التكفيري، حيث انتقد بشدة تنظيم القاعدة وداعش، واتهم التنظيمات المتطرفة بتشويه صورة الثورة السورية، كما كان له موقف واضح ضد التدخل الإيراني في سوريا، محذرًا من تأجيج الفتنة الطائفية.

 

مفتي الدولة الجديدة: دلالات التعيين وأبعاده

تعيين الشيخ أسامة الرفاعي مفتيًا لسوريا يحمل دلالات سياسية ودينية عميقة، إذ أنه ليس مجرد فقيه، بل رمز للثورة والاعتدال، فبعد سنوات من النفي والمطاردة، يعود اليوم إلى دمشق ليتبوأ أرفع منصب ديني في البلاد، في مشهد يؤكد أن العلماء لم يُقصوا عن المشهد، بل أصبحوا جزءًا من بناء سوريا الجديدة.

إن تشكيل مجلس الإفتاء الأعلى برئاسته يعكس توجهات الحكومة نحو بناء مؤسسة دينية راشدة، قادرة على إعادة الثقة بين المجتمع والدين، وترشيد الفتاوى بما يخدم المصلحة الوطنية.