منذ نشأة الكيان الصهيوني الغاصب، وهو يقوم على فكرة ابتلاع الأرض وفرض سياسة الأمر الواقع مستخدماً أشد أنواع البطش والعنف في حق المدنيين، ولا يلجأ إلى هدنة او معاهدة سلام الا حين يكون هو الطرف الأضعف او المستفيد من هذا الاتفاق، لكنه في كل مرة يتفاوض، ينكث بوعوده واتفاقاته مهما كانت الضمانات..
وفي المرات القليلة التي التزم فيها العدو الصهيوني باتفاقاته، كان لدى المقاومة أسرى إسرائيليين، ففي عام 1985 أفرجت إسرائيل عن 1150 أسيراً، مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين أُسرتهم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، وفي عام 1997 أطلقت إسرائيل سراح مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين بعد ثماني سنوات من اعتقاله، بالإضافة إلى سجناء آخريين مقابل اثنين من عملائها السريين، وفي عام 2011 أطلقت إسرائيل سراح 1027 أسيراً فلسطينياً، كان أبرزهم القيادة يحى السنوار، في مقابل إطلاق حماس سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
لكن في معركة طوفان الأقصى 2023، وبرغم إمتلاك المقاومة لعدد كبير من الأسرى الإسرائيليين، نكثت إسرائيل عن اتفاقها في يناير 2025، واستمرَّت في حرب إبادة إستمرت لأكثر من عام، واليوم يطرح (الوسيط) الأمريكي (صفقة) يتم بمقتضاها، نزع سلاح المقاومة وخروج حماس من قطاع غزة، في مقابل رفع الحصار عن غزة ووقف الحرب عليها، وذلك بضمانة أمريكية ودولية وعربية..
لكن هل يمكن الإطمئنان للضمانات الأمريكية وحتى الدولية، في حفظ حياة المدنيين والانسحاب من القطاع، إن نزعت حماس سلاحها وخرجت من غزة؟
أقرب حالة يمكن الاسترشاد بها في الإجابة، هو ما حدث في عام 1982، عندما اندلعت الإشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وحلفائها في لبنان وبين الجيش الإسرائيلي، فحاصر الجيش الإسرائيلي بيروت، ومنع عنها الطعام والشراب والدواء، وقصف المدنيين بأشد أنواع الأسلحة، مثلما يحدث الآن في قطاع غزة.
وبعدما بلغ الحصار والقصف بالمدنيين مبلغاً فوق الإحتمال، تدَّخل الأمريكان عبْر المبعوث الخاص للرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان (فيليب حبيب)، فعرض صفقة تنص على وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وانسحاب مقاتلي المنظمة مقابل التعهد بحماية المخيمات واللاجئين في لبنان، وعدم دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت مع نشر قوات متعددة الجنسيات لضمان ذلك.
قَبِل ياسر عرفات في 19 أغسطس 1982 الصفقة، وبدأ مُقاتلو مُنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات مغادرة بيروت تحت حماية قوة دولية متعددة الجنسيات، وبلغ عدد المقاتلين الفلسطينين أكثر من 14 ألف مقاتل فلسطيني، مما أنهى فعليا وجود المقاومة الفلسطينية (العسكرية) في لبنان، بل في الخارج أيضا.
وكان من المفترض وفقا للإتفاق ألا تدخل القوات الإسرائيلية بيروت، إلا أنها نقضت عهدها! فدخلت قواتها بيروت الغربية! وبعد حوالى شهر من انسحاب قوات المقاومة الفلسطينية، وعلى مدى 3 أيام متواصلة وفي حماية القوات الإسرائيلية، إرتكبت المليشيات اللبنانية المسيحية التابعة لحزب الكتائب، مجزرة وحشية بحق سكان مخيمات صبرا وشاتيلا، أسفرت المجزرة عن مقتل ما لا يقل عن 3500 شخص معظمهم من الفلسطينيين العُزّل ولم تنفعهم الضمانات الأمريكية أو الدولية!
ليصبح درس التاريخ، أنَّ حركة حماس إن تركت سلاحها وغادرت قطاع غزة، فستعمل آلة القتل في سكان القطاع، بدعوى تتبع أفراد القسام! وليتم بعدها تصفية القضية الفلسطينية بين أبنائها! لذلك ترفض حركة حماس إلقاء سلاحها، أو مغادرة القطاع، كما يرفض أهل القطاع أنفسهم ذلك، مهما حصلوا من ضمانات أو وعود.