تزامنا مع عيدهن لا تزال العديد من الأمهات يطالبن بالإفراج عن أبنائهن المعتقلين والمحبوسين احتياطيًا لتخفيف ألمهن وليحملن عنهن أعباء ثقيلة طالتهم تكاليف المعيشة والفقر.

في الوقت الذي تنتظر فيه ملايين الأسر المصرية حلول يوم 21 من شهر مارس من كل عام للاحتفاء بـ"عيد الأم"، يمر اليوم على أُخريات بمشاعر وطقوس مختلفة تتواءم مع جراحهن النازفة وقلوبهن الجريحة،  ودموع الأمهات لم تجف، فمنذ أحداث 30 يونيو 2013 لا تفارق الدموع عيون آلاف الأمهات اللاتي حُرمن من أبنائهن وأزواجهن الذين غيبتهم السجون، أو لقوا حتفهم لمواقفهم المعارضة للانقلاب.

وتُشير منظمات حقوقية إلى أن أكثر من 10000 سيدة تعرضن للاعتقال في مصر منذ 3 يوليوز 2013، لا تزال المئات منهن رهن الاعتقال في ظروف غير إنسانية، وخلال تلك الفترة قُتلت مئتا سيدة وفتاة على يد قوات الجيش والأمن المصري، خلال مشاركتهن في تظاهرات معارضة لنظام السيسي.

مشاهد مؤثرة

   وعلى مدار سنوات الانقلاب العسكري ، عانت أمهات المعتقلين من تعنت النظام وبطشه من وقت اعتقال أبنائها أمام أعينها، وتحطيم محتويات منزلها، وحتى اختفائهم قسريا، إلى مشاهد المحاكمات وسماع الأحكام القاسية، وحتى طوابير الزيارة أمام السجون والمعتقلات.

دموع الأمهات

   وبمجرد الحديث مع الأمهات الذين يعنين فراق أبنائهم أحياء، تغطي الدموع وجههم وتنتابهم المشاعر الصعبة للغاية، موضحين أنه ليس ما يؤلمهم غياب أبنائهم في عيد الأم فقط، ولكن كل الأعياد، بل كل يوم وكل لحظة، وعند التجهيز لكل زيارة، وعند رؤيتهم في المعتقل، كلها لحظات ألم يتمنوا من الله أن تنتهي ويعود أبنائهم إلى بيوتهم

ويلوم العديد من الأمهات على المحتفلين بعيد الأم دون أن يراعوا مشاعر أمهات الشهداء والمعتقلين،منتقدين اختيار الدولة أمهات مثاليات لا يستحققن أن يحملن هذا اللقب.

وتؤكد العديد من الأمهات أن طريق الحق صعب، وكل من ارتاده يعلم بذلك، موضحين أنه رغم اعتقال أبنائهم، إلا أن الثبات وإعادة بناء مستقبل أبنائها وبناتهم يحتاج صبرا وعزيمة كبيرة.

وتؤكد العديد من الأمهات أن "يوم عيدنا هو اليوم الذي ينكسر فيه الانقلاب ويتحرر فيه الوطن، ويتمتع أبناؤنا بالحرية".

نماذج تفطر القلوب

   تقول عزة علي إن آخر عيد أم شعرت به واحتفت به مع أبنائها وزوجها كان في 2013، قبل أن يُغيب المعتقَل نجلها وزوجها.

ولفتت إلى أنه في بداية عام 2014 اعتقلت قوات الأمن زوجها مريض السكري ونجلها الأصغر من المنزل، قبل أن يلقى زوجها حتفه داخل المعتقل نتيجة الإهمال الطبي الذي تعرض له في نوفمبري 2014.

وأردفت : "منذ 2013 يمر "عيد الأم" على بيتنا كئيباً حزيناً، نقضيه في تجهيز الزيارات لنجلي الذي لا يزال قابعاً في المعتقل للمرة الثانية، وترفض قوات الأمن إطلاق سراحه رغم صدور قرار بالإفراج عنه أكثر من مرة".

وتابعت: "بعدما كان عيد الأم يوماً يجتمع فيه أبنائي وزوجي حولي يُقدمون لي الهدايا ونتسامر معاً، أصبح البيت ينتظر ذلك اليوم لنستطيع زيارة نجلي الصغير "زيارة خاصة" تطول مدتها عن المعتاد فتصل إلى عشر دقائق، وأحتضنه فيها بعدما كانت تباعد بيننا الأسلاك وقت الزيارة".

وأشارت علي إلى أن أحلامها، وأحلام آلاف الأمهات اللواتي غيبت السجون أبناءهن، باتت محصورة في رغبتهن في رؤية أبنائهن وجهاً لوجه، وقضاء دقائق معدودة في أحضانهم.

وأكدت أن عيد الأم هذا العام يأتي وقد فقدت زوجها، ويُحرم نجلها من الحرية رغم صدور أكثر من قرار بالإفراج عنه منذ أغسطس الماضي، إلا أن قوات الأمن ترفض تنفيذ القرار، ولفقت له تهماً جديدة.

وتساءلت: "ماذا ننتظر من نظام يرى في الراقصات والممثلات أمهات مثاليات، في حين تقبع عدد من النسوة في الزنازين، وتُحرم آلاف أخريات من أزواجهن وأبنائهن ظلماً وغدراً؟".

حال هذه الأم لم يختلف كثيراً عمّا تعانيه سامية سعد، التي أكدت أن نجلها اختطفته قوات الأمن من منزلهم بمحافظة الإسكندريةفي بداية مارس 2015، وتعرض للاختفاء القسري لأكثر من 20 يوماً.

ولفتت إلى أن "عيد الأم" يمرّ والحُزن يُخيم على المنزل كله؛ بسبب اعتقال نجلها قسراً، وعدم تمكنهم من معرفة مكانه أو التواصل معه.

وتساءلت سامية: "أي عيد أم يتحدث عنه العالم ونحن محرومون من أبنائنا وزهرات حياتنا؟"، متابعة: "أشعر بمرارة داخلي حينما أرى النظام والمسؤولين في مصر يكرمون الراقصات، في حين نُحرم نحن من أبنائنا الذين يشهد لهم الجميع بحسن الخُلق والتفوق".

وأشارت إلى أن يوم "عيد الأم" هذا العام لا يختلف بالنسبة لها عن مثيله في العام الماضي، إذ يقبع نجلها أحمد ذو الخمسة والعشرين عاماً في زنزانته الضيقة، يُنفذ حكماً صادراً ضده من إحدى المحاكم العسكرية بالسجن عشر سنوات، في قضية ملفقة له، تم تعذيبه للاعتراف بها.

وبكلمات يتخللها الأسى تابعت أم أحمد: "هكذا تكرمنا مصر بعدما أفنينا أعمارنا في تربية أبنائنا، وغرس الأخلاق وحب الوطن فيهم؛ يكون جزاؤنا أن نُحرم منهم ويُحرمون هم من مستقبلهم وحريتهم".