في السياسة، تعتبر "المئة يوم الأولى" معيارًا لتقييم أداء القادة الجدد ومدى تقدمهم في تنفيذ أجنداتهم. بعد مرور 100 يوم على الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر الماضي، تواجه سوريا الجديدة تحديات ضخمة، لكنها تُظهر أيضًا بوادر إيجابية نحو بناء دولة ديمقراطية شاملة بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشراع.
اضطرابات الساحل ومحاولات الانقلاب
شهد الساحل السوري مواجهات عنيفة بين القوات الأمنية وبقايا نظام الأسد، حيث قام موالون للنظام السابق، معظمهم بملابس مدنية، بشن هجوم منسق على القوات الحكومية في 6 مارس، في محاولة انقلابية استمرت لساعات في مدينة جبلة قرب اللاذقية قبل أن تتمكن القوات الحكومية من استعادة السيطرة. تشير التقارير إلى أن إيران وحزب الله قدما دعمًا للموالين للأسد، حيث وُجدت لديهم أنظمة اتصالات أجنبية.
استجابت الحكومة الجديدة بسرعة بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، وتحذير القوى الأمنية والمدنيين من الانخراط في أعمال عنف طائفية، لكن رغم ذلك وقعت بعض الحوادث. تصاعد التوتر أيضًا نتيجة انتشار معلومات مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث استخدمت جماعات موالية للأسد مقاطع فيديو قديمة لجرائم الشبيحة، ما أجج الغضب بين السكان.
يؤكد المسؤولون أن من قاموا بالهجمات في اللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة سيتم اعتقالهم ومحاسبتهم، خاصة أن بعضهم سبق أن نال عفوًا بعد سقوط الأسد.
التهديد الإسرائيلي في الجنوب
في الجنوب، يواجه النظام الجديد تحديًا آخر مع قيام إسرائيل باحتلال جزء صغير من الأراضي السورية، معلنة نيتها البقاء فيه لفترة "غير محدودة". يُعد هذا انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ويعيد إلى الأذهان احتلال الجولان عام 1967 وضمّه عام 1981، وهي خطوة لم يبدِ نظام الأسد السابق مقاومة حقيقية ضدها.
منذ سقوط الأسد، زادت الغارات الإسرائيلية على سوريا بشكل ملحوظ، مما يعكس موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرافض لمسار سوريا الجديد. كما تحاول إسرائيل تأليب بعض الأقليات ضد الحكومة الجديدة، حيث شوهدت تحركات مشبوهة بين بعض المجموعات العلوية على الساحل السوري، إضافة إلى زيارة بعض رجال الدين الدروز لموقع ديني في إسرائيل في خطوة اعتُبرت محاولة للتطبيع مع الاحتلال.
اتفاق جديد مع الأكراد على الوحدة الوطنية
أحد أبرز التطورات الإيجابية كان الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (SDF) لدمجها في الجيش الوطني السوري الجديد وتحقيق وقف إطلاق نار شامل. يحكم الأكراد شمال شرق سوريا منذ عام 2012، ويضمن الاتفاق إدماج مؤسساتهم تحت سيطرة الدولة مع الاعتراف بحقوق الأكراد التي قُمعت خلال حكم الأسد.
يمثل هذا الاتفاق خطوة مهمة نحو الوحدة الوطنية، خاصة بعد عقود من استخدام النظام السابق للأقليات كأداة للبقاء في السلطة عبر إثارة النزاعات الطائفية.
اعتراف دولي وتحسن في العلاقات الخارجية
على الصعيد الدولي، حققت الحكومة الجديدة تقدمًا ملحوظًا في تعزيز مكانتها، حيث شهد وزير الخارجية أسعد الشيباني والرئيس الشراع اجتماعات ثنائية عديدة مع قادة دوليين، في مؤشر إلى الاعتراف بشرعية الحكومة السورية الجديدة.
حضر الشراع أول اجتماع لسوريا بعد الأسد في جامعة الدول العربية، وعلى الرغم من تحفظ بعض القادة، هناك قبول عام بأن حكومة جديدة تدير سوريا الآن. وقد أكد الشراع أن سوريا لا تسعى للمشاكل مع جيرانها، وأنها ليست منصة لشن هجمات على إسرائيل، في إشارة إلى نهج جديد في السياسة الخارجية.
فيما يتعلق بالعقوبات، اتخذت كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي خطوات لرفع بعض القيود الاقتصادية، مشروطة بتحقيق الحوكمة الرشيدة والتقدم نحو بناء دولة شاملة. كما تلقى الشيباني دعوة لحضور قمة للمانحين في بروكسل، بينما ينتظر الشراع زيارة رسمية إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهي مؤشرات إيجابية على الدعم الدولي لسوريا الجديدة.
ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة مترددة في رفع عقوباتها، مما يعرقل جهود إعادة الإعمار، خاصة أن نفوذها السياسي والاقتصادي قد يؤثر بشكل كبير على مستقبل سوريا.
إعادة بناء الدولة والديمقراطية
عقدت الحكومة مؤتمرًا للحوار الوطني في فبراير لمناقشة أسس الدولة الجديدة، ورغم بعض الانتقادات، مثل ضيق الوقت للتحضير وانعقاد المؤتمر ليوم واحد فقط، إلا أن وجود مناقشات مفتوحة يُعد خطوة جيدة نحو وضع إطار وطني جديد.
لا تزال هناك تحديات كبيرة، بما في ذلك غياب العدالة لضحايا نظام الأسد، إذ لم تبدأ بعد محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات. كما يطالب المواطنون بتحويل سجن صيدنايا وغيره من مراكز الاعتقال إلى مواقع تذكارية توثق فظائع النظام السابق.
في تطور لافت، نصّ الدستور الجديد في مادته 49 على تجريم تمجيد أو إنكار جرائم الأسد، في تناقض مباشر مع القانون 49 في الدستور السابق الذي كان يفرض عقوبة الإعدام على المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين.
مستقبل سوريا بعد الأسد
لا تزال سوريا في بداية طريق طويل نحو التعافي بعد عقود من القمع وحرب دامت 14 عامًا. لكن، رغم العقبات، هناك إشارات إيجابية تدل على بناء دولة جديدة على أسس أكثر ديمقراطية وشمولية.