صباح كل يوم، يخرج رائد رضوان من منزله في حي الشيخ رضوان ليأخذ موقعًا متقدمًا في طابور طويل، ممتد على عشرات الأمتار، من أجل ملء جالونين فقط من مياه الشرب، وهو الحد الأقصى الذي تسمح به محطة التحلية بسبب نقص الموارد.
 

أزمة الوقود وشح المياه
   تفاقمت أزمة المياه في غزة بشكل غير مسبوق منذ إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمعبر كرم أبو سالم، والذي يمثل الشريان الأساسي لدخول المساعدات الإنسانية والوقود.
هذا الإغلاق أدى إلى تعطيل محطات تحلية المياه التي تعتمد على السولار لتشغيل مضخاتها، مما زاد من معاناة المواطنين الذين يقفون في طوابير طويلة للحصول على الماء.

يقول رضوان (35 عامًا): "اعتدت قبل اشتداد الأزمة على تعبئة أربعة جالونات من المياه، لكن اليوم، لا يمكنني الحصول إلا على اثنين فقط، لأن المحطة تحاول تلبية احتياجات أكبر عدد ممكن من السكان".
 

تدمير البنية التحتية يزيد المعاناة
   يعاني سكان غزة من انقطاع خدمات المياه البلدية، حيث دُمرت البنية التحتية للمياه بشكل واسع خلال الحرب الأخيرة.
يقول وائل السيد، وهو من سكان منطقة منخفضة نسبيًا في غزة، إن منزله لا تصله المياه البلدية مطلقًا، ما اضطره للاعتماد على بئر يملكه أحد جيرانه، ويدفع مع آخرين ثمن الوقود اللازم لتشغيل المضخة.

يشير السيد إلى أن سعر لتر السولار في السوق السوداء ارتفع إلى 50 شيكلًا بعد أن كان 25 شيكلًا قبل إغلاق المعبر، ما جعل تكلفة تعبئة 2000 لتر من المياه أسبوعيًا تصل إلى 200 شيكل، وهو عبء مالي لا يستطيع تحمله الكثير من السكان.
 

الكارثة البيئية.. برك الصرف الصحي تهدد الصحة العامة
   لم تقتصر الأزمة على نقص مياه الشرب، بل امتدت إلى تهديد بيئي خطير يتمثل في ارتفاع منسوب برك الصرف الصحي، مثل تلك الموجودة في شرق حي الشيخ رضوان، والتي تقترب من نقطة الفيضان، مما يهدد بإغراق الأحياء السكنية بمياه الصرف الملوثة.

يؤكد السيد أن الروائح الكريهة المنبعثة من هذه البرك، إلى جانب انتشار البعوض، تجعل الحياة أكثر صعوبة، فيما يبقى شبح الأمراض المعدية كالكوليرا والتيفوئيد خطرًا محدقًا.
 

المياه المحلاة.. أزمة ارتفاع الأسعار وصعوبة الوصول
   تعتمد معظم العائلات في غزة على محطات التحلية التي أنشأتها مؤسسات دولية إغاثية، لكن نقص الوقود أدى إلى انخفاض إنتاجها من المياه، مما دفع السكان للجوء إلى شراء المياه من صهاريج خاصة بأسعار مرتفعة.

يقول أبو جميل إنشاصي، وهو صاحب شاحنة لنقل المياه المحلاة، إن استمرار إغلاق المعبر رفع سعر لتر السولار إلى 45 شيكلًا، ما ضاعف تكلفة شحنات المياه من 280 شيكلًا إلى 400 شيكل لكل 4000 لتر.
 

شهادات من محطات التحلية
   يؤكد محمد أبو عودة، المدير المالي لشركة "عبد السلام ياسين" لتحلية المياه، أن استمرار منع إدخال الوقود وقطع الغيار يهدد بإيقاف عمل المحطات تمامًا.
ويضيف: "نحن مضطرون لشراء السولار من السوق السوداء، وهو ما يزيد من تكاليف التشغيل، ومع تضرر المعدات وعدم القدرة على صيانتها، نخشى أن نصل إلى نقطة الانهيار التام."
 

بلدية غزة.. الأضرار هائلة والخدمات في حدها الأدنى
   من جانبه، أوضح المتحدث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، أن الاحتلال دمر حوالي 70% من البنية التحتية للمياه في القطاع، بما يشمل 110 آلاف متر طولي من شبكات المياه، و62 بئرًا رئيسيًا، وستة خزانات كبيرة، مما أدى إلى انقطاع المياه عن 40% من المدينة.

ويضيف مهنا: "استهداف محطات الكهرباء والمولدات الاحتياطية جعل من المستحيل تشغيل آبار المياه، كما أن الاحتلال يمنع إدخال المعدات اللازمة لصيانة الشبكة، مما يجعل الأزمة تتفاقم يومًا بعد يوم."