كشفت وثائق بريطانية حديثة أن الديكتاتور المصري الأسبق حسني مبارك تنبأ بتأثيرات كارثية على الأردن بعد قراره بفك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية عام 1988، محذرًا الملك حسين آنذاك من أن هذه الخطوة ستؤدي إلى فقدانه لدوره الدولي.
تظهر الوثائق التي استخرجتها ميدل إيست مونيتور من الأرشيف الوطني البريطاني أن مبارك كان قلقًا من أن تؤدي سياسة الاتحاد السوفيتي في إرسال المهاجرين اليهود للاستيطان في الضفة الغربية إلى إراقة الدماء في المنطقة.
خلفية فك الارتباط
كانت الضفة الغربية تحت السيطرة الأردنية منذ عام 1948 حتى احتلالها من إسرائيل عام 1967. وفي يوليو 1988، أعلن الملك حسين قرار فك الارتباط بعد أن اعترفت جامعة الدول العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
إثر ذلك، قام الملك بحل البرلمان الأردني الذي كان يضم أعضاء من الضفة الغربية، مما مهد الطريق لأول انتخابات برلمانية في الأردن منذ 22 عامًا، والتي شهدت فوز الإسلاميين بمقاعد أكثر من الموالين للحكومة.
تحذيرات مبارك للملك حسين
أثناء لقائه برئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر في فبراير 1990، أشار مبارك إلى أن قرار الملك حسين وضعه في "ورطة هائلة"، موضحًا أن فقدانه للضفة الغربية جعله بلا دور دولي يُذكر.
وتوقع مبارك أن منظمة التحرير الفلسطينية ستعود لاحقًا إلى الأردن طلبًا للدعم، كما حذر من التداعيات الاقتصادية لفك الارتباط، حيث انسحب الفلسطينيون من البنوك الأردنية، مما أدى إلى أزمة مالية خانقة.
دور السعودية والموقف البريطاني
حاول مبارك إقناع السعودية بمساعدة الأردن ماليًا، لكنه لم يوضح رد الفعل السعودي، مشيرًا إلى أن القرارات المالية كانت بيد الملك فهد وحده.
في اللقاء نفسه، أعربت تاتشر عن تعاطفها مع الملك حسين، مشيرة إلى أنه كان يمر بظروف صعبة.
تحذيرات مبارك للاتحاد السوفيتي
قبل زيارته لبريطانيا، كان مبارك قد التقى بقادة الاتحاد السوفيتي، محذرًا ميخائيل جورباتشوف من أن السماح للمهاجرين اليهود بالاستيطان في الضفة الغربية قد يؤدي إلى تصعيد العنف ضدهم.
ورغم أن مبارك لم يعارض هجرة اليهود السوفييت إلى إسرائيل، إلا أنه طالب بضمانات بعدم توطينهم في الأراضي المحتلة. وأكد أن الفلسطينيين لن يقبلوا بهذا الوضع، مما سيؤدي إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار.
تصاعد التوترات في ظل الانتفاضة الأولى
جاءت تصريحات مبارك في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حيث شهدت الضفة الغربية وقطاع غزة مواجهات بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود المدعومين من الجيش الإسرائيلي.
وفي سياق ذلك، انتقدت تاتشر الحكومة الإسرائيلية بسبب توطين المهاجرين السوفييت ليس فقط في الضفة الغربية، بل أيضًا في أحياء القدس الشرقية.
مخاوف من خطط التهجير الإسرائيلية
في تلك الفترة، كان وزير الإسكان الإسرائيلي أرييل شارون يخطط لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، بل وطرح فكرة ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن.
ورأى مبارك أن هذه السياسة ستؤدي إلى تصعيد العنف، مما سيشكل خطرًا حتى على اليهود في مختلف أنحاء العالم.
تقييم السياسة البريطانية تجاه مبارك
قبل زيارة مبارك إلى لندن، اعتبرت وزارة الخارجية البريطانية لقاءه بتاتشر "حاسمًا" بسبب التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط.
ورأت بريطانيا في مبارك زعيمًا يسعى إلى دعم جهود السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ويحاول ضبط ما وصفته الخارجية البريطانية بـ "المتطرفين العرب".
تعكس هذه الوثائق الدور الذي تولاه الديكتاتور مبارك في الدبلوماسية الإقليمية خلال تلك الفترة، وتحذيراته من تداعيات السياسات الإسرائيلية والسوفيتية على استقرار المنطقة، خاصة في ظل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر.