مصطفى عبد السلام

خبير اقتصادي

كشفت مصر عن خطتها لإعادة إعمار غزة، وبحسب ما جاء في الخطة المصرية التي عُرضت على القادة العرب في القمّة فإن إعادة الإعمار بالكامل ستستغرق خمس سنوات، أي حتى عام 2030، وبتكلفة 53 مليار دولار، منها عشرون مليار دولار للمرحلة الأولى التي ستستغرق عامَين وتشمل بناء مئتي ألف وحدة سكنية، وثلاثين مليار دولار للمرحلة الثانية التي ستستغرق عامَين ونصف العام وتشمل بناء مئتي ألف وحدة سكنية أخرى ومطار بغزة.

وهناك مرحلة التعافي المبكّر داخل قطاع غزة التي ستستغرق ستة أشهر وتشمل رفع الأنقاض وإزالة الركام والنفايات وتركيب مساكن مؤقتة، ثم إقامة وإعادة هيكلة البنى التحتية في رفح ومناطق القطاع الجنوبية، ثم الانتقال لمناطق الوسط والشمال، كما تتضمن الخطة المصرية المؤلفة من 112 صفحة خرائط تفصيلية توضح كيفية إعادة تطوير أراضي غزة، وعشرات الصور الملونة التي أُنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي لمشاريع الإسكان والحدائق والمراكز المجتمعية، كما تتضمن كذلك إقامة ميناء تجاري ومركز للتكنولوجيا وفنادق على شاطئ القطاع.

الخطة المصرية طموحة، وقابلة للتنفيذ من الناحية النظرية، والشركات العربية ومعها التركية والأجنبية قادرة على تنفيذها، وفي آجالٍ ربما تقلّ عن المدة المحددة، وتتضمن إقامة مطار وميناء في غزة، والأهم أنها تراعي حقوق الشعب الفلسطيني الرافض خطة ترامب الخاصة بتهجير أهالي غزة قبل البدء في إعادة أعمارها، كما أن الخطة تتضمن خطوة مهمة هي توفير الإسكان المؤقت للنازحين خلال عملية إعادة الإعمار، بواقع سبعة مواقع تستوعب ما يزيد على 1.5 مليون فرد، وهو ما يسهل مهمة تنفيذها.

لكن هناك تساؤلات مشروعة عدّة يجب أن يضعها الجميع عند مناقشة تنفيذ الخطة المصرية الطموحة.

أول وأهم تلك التساؤلات يتعلق بجهة التمويل، فمَن سيتحمل فاتورة إعمار غزة، ومن سيدفع كل تلك المليارات من الدولارات لمشروع إعادة إعمار القطاع، وهل سيقتصر التمويل على دول الخليج وتحديداً قطر والسعودية والكويت والإمارات، وماذا بشأن بعض تلك الدول التي تشترط اختفاء حماس من المشهد الفلسطيني ونزع سلاحها قبل ضخ أي تمويل من جانبها في المشروع الضخم، وهل هناك خطة محددة لجذب رأس المال العربي والأجنبي الخاصّ للمساهمة في تمويل مشروعات الإعمار، وما العائد؟

ثاني تلك التساؤلات يتعلق بالضمانات التي يجب توفيرها قبل إطلاق مشروع إعادة الإعمار، فمن المحتمل أن تعرقل إسرائيل تنفيذ الخطة من خلال منع دخول مواد البناء والعدد والآلات والشاحنات وغيرها، ومن المحتمل أن يدمّر جيش الاحتلال أي مشروع يُقام، وفي ظل مراوغات نتنياهو ومحاولة الالتفاف على المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار فإنّ اندلاع الحرب مجدداً داخل القطاع هو أمر محتمل، وبالتالي مَن الجهة التي تقدم ضمانات للمموّلين بعدم استهداف إسرائيل مشروع إعادة الإعمار وعدم تدمير غزة مستقبلاً؟

ثالث تلك التساؤلات مَن هي الجهة التي ستشرف على مشروع إعادة الأعمار، وهل ستكون حماس وباقي الفصائل الفلسطينية في المشهد، أم السلطة الفلسطينية وحدها، أم سيجري تكوين لجنة مستقلة تتولى إدارة شؤون القطاع في مرحلة انتقالية وتكون الحركة غير ممثلة فيها، أم سيشرف المموّلون مباشرة على المشروع؟

أما رابع تلك التساؤلات فيتعلق بمدى تحميل دولة الاحتلال الجانب الأكبر من كلفة الإعمار، وتعويض أهالي غزة عن الخسائر الفادحة التي تكبدوها سواء البشرية أو المالية، فطالما هي مَن دمرت البنية التحتية وأبادت المنازل والمصانع والمنشآت وقتلت آلاف الفلسطينيين، فإن على المجتمع الدولي إرغامها وداعميها على سداد جزء من كلفة إعادة الإعمار.