إذا كان هناك شيء يمكننا شكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عليه، فهو أنه كشف بوضوح زيف الادعاء الغربي بأن الولايات المتحدة هي "شرطي عالمي" يسهر على تطبيق "نظام قائم على القواعد".
في الواقع، واشنطن أشبه بإمبراطورية مافيا تفرض سيطرتها عبر 800 قاعدة عسكرية حول العالم، وتسعى منذ نهاية الحرب الباردة إلى تحقيق "هيمنة شاملة"، كما ينص على ذلك مبدأ البنتاجون.
الابتزاز العلني
في مشهد غير معتاد، تعرض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإهانة علنية في البيت الأبيض، وكأن واشنطن أرادت أن تبعث برسالة مفادها أن من يخضع لها سيُكافأ، ومن يتمرد سيُترك لمصيره.
لكن هذا النهج ليس جديدًا على الإدارات الأمريكية، فقد سبق أن قتلت عقوبات التسعينيات، خلال إدارة بيل كلينتون، ما يقرب من نصف مليون طفل عراقي، بينما شن جورج بوش الابن حربًا غير قانونية على العراق في 2003، راح ضحيتها مئات الآلاف، وشردت الملايين.
زيلينسكي.. من حليف إلى ضحية
كان زيلينسكي، في بداية عهده، بمثابة "ذراع واشنطن" ضد موسكو، حيث واصلت الولايات المتحدة الضغط على روسيا عبر توسيع نفوذ الناتو على حدودها، رغم تحذيرات الكرملين المتكررة.
انسحب ترامب في 2019 من معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى، مما فتح الباب لنشر صواريخ أمريكية في دول قريبة من روسيا، مثل بولندا ورومانيا، كما زوّد أوكرانيا بأسلحة متطورة مثل صواريخ "جافلين"، وهي خطوة تجنبها سلفه باراك أوباما خوفًا من استفزاز موسكو.
عندما انتُخب زيلينسكي رئيسًا، وعد بإنهاء الحرب الأهلية التي اندلعت عقب انقلاب 2014 في كييف، لكنه سرعان ما تخلى عن هذا الوعد تحت ضغط واشنطن.
وحين حاول التفاوض على اتفاق سلام مع روسيا في 2022، تدخل رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، بوريس جونسون، لنقل رسالة أمريكية واضحة: "لا سلام.. واصل القتال".
اللعبة تتغير
مع تغير الإدارة في واشنطن، بدأ ترامب في تغيير قواعد اللعبة. لم يعد يرى في زيلينسكي بطلًا، بل عبئًا مكلفًا لم يحقق الهدف المنشود: إنهاك روسيا اقتصاديًا وعسكريًا وإضعاف قيادتها.
ولذلك، بدأ ترامب في الضغط على كييف وأوروبا لإيجاد حل ينهي النزاع، حتى لو كان ذلك على حساب الأوكرانيين أنفسهم.
بالنسبة لترامب، الصراع لم يعد عسكريًا فقط، بل اقتصادي أيضًا. فهو يدرك أن أوكرانيا تمتلك ثروات ضخمة من المعادن النادرة التي تقدر قيمتها بنحو 15 تريليون دولار، وهي معادن أساسية في تصنيع التكنولوجيا المتقدمة.
من هذا المنطلق، يسعى ترامب إلى تأمين الهيمنة الأمريكية على موارد أوكرانيا، وحرمان الصين من الوصول إليها.
مصالح لا مبادئ
الحقيقة الصادمة هي أن وقف الحرب ليس مسألة مبادئ أو حرص على السلام، بل مجرد لعبة مصالح.
كما أن تقسيم أوكرانيا بين القوى الكبرى بات أمرًا مطروحًا، حيث ستكون مواردها الطبيعية هي الثمن الحقيقي لأي اتفاق.
ما يحدث في أوكرانيا يعكس نفس السياسة الأمريكية في غزة، حيث يحاول ترامب فرض رؤيته لإنشاء "ريفييرا الشرق الأوسط" على حساب الفلسطينيين، تمامًا كما يحاول إعادة رسم مستقبل أوكرانيا بما يخدم مصالح واشنطن الاقتصادية والجيوسياسية.
القضية ليست في فظاظة ترامب، بل في أن سياسات الابتزاز والهيمنة هي جزء أصيل من النهج الأمريكي، بغض النظر عن الرئيس الذي يقود البيت الأبيض.
أما زيلينسكي، فقد أدرك متأخرًا أنه مجرد ورقة لعب في يد إمبراطورية لا تهتم بحلفائها إلا بقدر ما يخدمون مصالحها.
https://www.middleeasteye.net/opinion/trump-vulgar-us-global-shakedown-same-one-ever