شهدت أسعار العقارات في مصر ارتفاعات قوية خلال الفترة الماضية، لعدة أسباب، لا سيما في الفترة التي شهدت وجود أكثر من سعر صرف للدولار الأمريكي، علاوة على الارتفاعات في أسعار مواد البناء وغيرها من العوامل ذات الصلة والتي تأثرت بالأسعار العالمية.
لكن إعلان شركة "بالم هيلز" للاستثمار العقاري المملوكة للملياردير ياسين منصور، أعلن تخفيضات هائلة في بيع الوحدات السكنية والفندقية، مما أثار الجدل حول ما وراء تلك التسهيلات.
وعرضت الشركة نسبة 1.5 بالمئة و5 بالمئة من قيمة الوحدة العقارية كمقدم للشراء بدلاً من 5 بالمئة و10 بالمئة، مع إطلاق نظام تقسيط 12 عاما و10 سنوات، في خطوة تخالف فترة التقسيط المحددة بـ6 و8 سنوات والتي دأب عليها المطورون العقاريون في مصر.
وبينت أن أقل مبلغ كمقدم للوحدات هو 90 ألف جنيه (1800 دولار)، محددة القسط الشهري بداية من 7200 جنيه (144 دولارا)، وذلك لجميع مشروعاتها بمدينة الشيخ زايد، و6 أكتوبر (غرب القاهرة)، والتجمع الخامس (شرق العاصمة)، والساحل الشمالي (غرب البلاد)، والتي يبلغ أقل سعر منها 1.2 مليون جنيه، وتصل بعضها من 9 وحتى 11 مليونا.
و"بالم هيلز" لديها 38 مشروعًا تمتد عبر شرق وغرب القاهرة والاسكندرية والساحل الشمالي والبحر الأحمر تسكنها 68 ألف عائلة، مع 13 مشروعا عبر الإنشاء، في محفظة أراضي تبلغ 32 مليون متر مربع، بحسب موقع الشركة.
"فقاعة على الأبواب"
لكن، حديث منصور، دفع الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال المصري الأمريكي مؤسس مجموعة "تكنوقراط مصر" الدكتور محمود وهبة، لتوقع حدوث فقاعة عقارية بمصر، مؤكدا عبر "فيسبوك" أنه "في ضوء عروض بيع العقارات هذه بمقدم هزيل أنبه أن هذه بداية الفقاعة العقارية بمصر"، مبينا أنها "طالما بدأت فلن تنتهي بخير للبائع والمشتري والممول".
"والفقاعة العقارية" تشير إلى حالة من الارتفاع المفرط والسريع في أسعار العقارات بشكل يتجاوز القيمة الحقيقية للعقار، بسبب عدة عوامل مختلفة، من بينها (تزايد الطلب على العقارات، علاوة على عمليات المضاربة، وزيادة السيولة النقدية)، مما يؤدي إلى تضخم أسعار العقارات. ومع انفجار الفقاعة تنهار الأسعار بشكل مفرط فيتعرض القطاع العقاري إلى صدمة قوية، وفقًا لـ"سكاي نيوز".
وأشار إلى أن الفقاعة العقارية بأمريكا بدأت هكذا وعبر تخفيض مقدم التمويل بصرف النظر عن القدرة عن الدفع، ثم توريق العقود كسندات أو غيرها، والحصول على العقود المجمعة وليست الفردية، وبيعها لطرف ثالث بسعر أعلى، ملمحا إلى أن البنوك المصرية الآن تقوم بالتوريق وشراء هذه السندات.
وبين أن "هذه السندات تباع أكثر من مرة حتى أنه في أمريكا بلغ التصنيف 1 مقابل 70 ضعفا، بينما الأصل قد يكون صفرًا"، مضيفًا أنه "فجأة يتوقف طرف واحد عن البيع أو الشراء، فتنفجر الفقاعة".
وأكد أن "هذا ما حدث بأمريكا والعالم عامي 2007 و2008، وبلغت الخسارة منها 3 تريليونات دولار، وفتكت بحياة الفقراء الذين تم استخدامهم رغم عدم قدرتهم على الشراء والسداد وبعلم الدائنين".
ويشكو مواطنون من اتصالات مزعجة من مكاتب التطوير العقاري للترويج للشقق السكنية، ما وصفه السياسي فؤاد سراج الدين بقوله عبر "فيسبوك": "وصل عرض العقارات لدرجة الإغراق وأسعار فلكية"، مشيرا لحجم "أموال تتعدى تريليون جنيه"، مؤكدا أنها أموال كبيرة أكثر من نصفها مجمد بسبب التضخم.
"الأزمة قادمة"
مطورون عقاريون يعملون بمدينتي "بدر" و"الشروق" و"العاصمة الإدارية"، أكدوا أن "هناك ركود حالي وتراجع في نسب البيع مع تفاقم غير طبيعي بالأسعار". وفقًا لـ"عربي 21".
وأشاروا إلى أن "الأزمة قادمة وستكون في الشقق المعدة للإيجار مع أول توقف للعمل بالعاصمة الجديدة بسبب نقص التمويل، وبسبب مغادرة سوريين لمصر، ومع أول توقف للحرب في السودان ستتفاقم الأزمة بصورة أكبر".
وقالوا إن "الأسعار غالية جدًا، ولا يوجد بيع وشراء، وعند الاتفاق على بيع في الأغلب يجري التراجع عنه من قبل المشتري بسبب السعر الغالي، ويتعلل الجميع بأنه يجب الحفاظ على ما لديه من عقار خوفا من خسارته مع التعويم المقبل للجنيه".
ولفتوا إلى أن "كثيرين يظنون بوقوع تخفيض جديد بسعر العملة المحلية مقابل ارتفاع جديد للدولار، مع احتمالات إغلاقه مع نهاية العام على 59 جنيهًا".
وأوضحوا أن "الكل يتمسك بما لديه من وحدات وأراض، وعند بيع عقار أو مساحات غير مبنية ثم الذهاب لشراء غيرها تجدها أغلى مما تم بيعه، فيصاب المطور بصدمة ويتمسك بما لديه حتى تتضح الأمور".
وقالوا إن "نسبة زيادة أسعار الوحدات والأراضي بالشهور الأخيرة تعدت 50% بسبب أزمة الدولار، وترويج الأنباء حول سعره، حيث يعمل المطورون العقاريون في تداوله والبيع والشراء به، وخسر كثيرون بين السوق السوداء والرسمية".
وبينوا أن "نسبة البيع قلت بالطبع، لكن لا نستطيع الحكم عليها بالضبط لأن سوق العقارات يصاب بركود طبيعي في فصل الشتاء ويزيد في الصيف، والعمل الآن يكون تجهيزًا للصيف".
وحول آخر الأسعار، قالوا إن "العاصمة الإدارية لها قانون آخر ولا يحكمها غير البيع بالتقسيط، ولكن في المدن الأخرى الجديدة والمحيطة بها وصل سعر الشقة السكنية العادية تطوير أهالي إلى 3 و4 ملايين جنيه بمدينة الشروق، ونحو مليوني جنيه بمدينة بدر".
"منافسة الدولة"
وأوضحوا أن جانبًا من الأزمة الحالية والمحتملة يتعلق بـ"منافسة الدولة"، موضحين أن "الحكومة تطرح من آن إلى آخر وحدات وأراض للمقيمين في الخارج بالدولار، ما يقلل نسب شرائهم للوحدات السكنية، بل ويدخلون السوق العقاري للبناء بأنفسهم أو عبر وسيط ما يفاقم المعروض ويقلل نسب البيع ويكتظ السوق".
وتنافس حكومة السيسي بشدة في قطاع التطوير العقاري، وتشارك بنصف قطاع البناء والتشييد وفق تأكيد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن 50.7 بالمئة من إجمالي عدد الوحدات السكنية (121.6 ألف وحدة) نفذها القطاع الحكومي في (2022/ 2023)، فيما نفذ القطاع الخاص 118.3 ألف وحدة.
وأوضح الجهاز الحكومي، أن إجمالي عدد الوحدات السكنية المنفذة بلغ 239.9 ألف وحدة باستثمار بلغ 262.1 مليار جنيه، بينها 89.6 ألف وحدة إسكان (اقتصادي)، و59.8 ألف وحدة (استثماري)، و49.8 ألف وحدة (متوسط)، و31.8 ألف وحدة (فاخر)، و8.1 ألف وحدة (فوق متوسط)، و802 وحدة إسكان (منخفض التكاليف).
ووفق بيانات رسمية نفذت الحكومة مليون و50 ألف وحدة سكنية في 9 سنوات بجانب العمل على نحو 1.4 مليون وحدة سكنية، بتكلفة إجمالية 607 مليارات جنيه.
كما أن الجيش الذي يمتلك 87 بالمئة من إجمالي مساحة مصر، ويقوم باستغلال بعض الأراضي لبناء فنادق وإسكان ومراكز للرفاهية خاصة بالضباط الكبار في الجيش، وفقا لتقرير "الغارديان" البريطانية، في إبريل 2014، يشارك عبر ذراعه القوية "الهيئة الهندسية"، بقوة في قطاع البناء والتشييد بالبلاد.
حصل الجيش الذي يمتلك الإمكانيات والمعدات والعمالة الرخيصة على الإسناد بالأمر المباشر للكثير من مشروعات البناء، إثر قرار الرئيس المؤقت عدلي منصور، في نوفمبر 2013، للحكومة بالتخلي عن المناقصات وإسناد المشروعات بالأمر المباشر.
وشاركت الهيئة الهندسية منذ مارس 2014 بمشروع بناء المليون وحدة سكنية في 13 موقعًا بتكلفة 280 مليار جنيه، لتنتقل للعمل بالعاصمة الإدارية التي يمتلك الجيش 51 بالمئة من قيمة شركتها، بجانب إنشاءات مدينتي العلمين الجديدة والجلالة الجديدة، إلى جانب مشروعات "دار مصر" وغيرها بالمدن الجديدة.
ويرى مطورون عقاريون أن منافسة الدولة والجيش لهم في قطاع البناء والتشييد غير عادلة، حيث اشتكى الملياردير نجيب ساويرس في نوفمبر 2021، من مزاحمة شركات الحكومة والجيش للقطاع الخاص بشكل يخلق منافسة غير عادلة.
وهناك العديد من المطورين العقاريين الكبار في السوق المصرية مثل: مجموعة هشام طلعت مصطفى، و"مصر الجديدة"، و"بالم هيلز"، و"أوراسكوم" المملوكة لعائلة ساويرس، و"إعمار" الإماراتية، و"معمار المرشدي"، و"سيتي إيدج"، و"بيراميدز للتطوير العقاري"، وغيرها.