مصطفى عبد السلام
خبير اقتصادي
بات لسان حال الإسرائيلي يسأل في آسى وحسرة: "هل نحن مواطنون عرب حتى تحرقنا نار الغلاء ونعاني بشدة ونعيش تلك الحياة القاسية والظروف المعيشية الصعبة؟".
ومن آن لآخر تنقل لنا الصحافة العبرية والعالمية جانبًا من معاناة الإسرائيليين اليومية الاقتصادية، والشكوى من سيطرة الغلاء والاحتكارات والإجراءات التقشفية على الأسواق المحلية، ومن تفاقم الأزمات المعيشية والمالية، وتراجع الدخول وزيادة تكاليف الحياة والنفقات اليومية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة مع استمرار الحرب على غزة وزيادة الإنفاق العسكري.
مع بداية عام 2025، استيقظ الإسرائيليون على زيادات حادة في الضرائب والرسوم، وأسعار السلع الغذائية والمواد الأساسية والسيارات، وفواتير الخدمات بما فيها أسعار الكهرباء والمياه والوقود ووسائل نقل الركاب العامة، مع خفض وتقليص النفقات الحكومية في موازنة العام الجديد، وزيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 18%، ورفع ضريبتي الدخل والمساكن.
كما زاد ايجار السكن وضريبة الأرنونا (ضريبة المساكن) بنسبة 5.13%، وهي أعلى زيادة منذ 17 عامًا، وهي القرارات التي اتخذتها حكومة نتنياهو المتطرفة لجمع الأموال المطلوبة لتمويل حرب الإبادة الجماعية ضد أهالي غزة التي دخلت شهرها السادس عشر، وهو الأمر الذي أثار موجة من الاستياء بين الإسرائيليين الذين باتوا يعانون من عبء معيشي متزايد كما تقول صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في تقرير نشر قبل أيام.
ومع زيادة الضرائب، شهدت سلع جماهيرية، مثل الخبز والحليب، ارتفاعًا مستمرًا في أسعارها، وكذلك أسعار الفواكه والخضراوات، التي بلغت أصلًا مستويات قياسية، تأثرًا بالاحتكارات وتقلبات السوقين المحلي والعالمي، وهروب العمالة الماهرة ووقف استقدام العمالة الفلسطينية.
ومع بداية العام الجاري، وجد الإسرائيليون أنفسهم مطالبين بتحمل أعباء إضافية لفاتورة الحرب تقدر بنحو 40 مليار شيكل (11 مليار دولار)، مع إصرار الحكومة على تمويلها من جيب المواطن وجمع تكاليفها عبر زيادة الضرائب، وتقليص الدخل المتاح، وزيادة قيمة فواتير السلع والخدمات الأساسية ومنها الغذاء والمياه والكهرباء، وذلك بدلا من الاقتراض، وهو الأمر الذي عمق الانقسامات السياسية والفوارق الاجتماعية داخل دولة الاحتلال، وفاقم أزمات الغلاء والفقر وكلفة المعيشة.
لن يعاني الإسرائيلي من فاتورة الحرب الإضافية في 2025 فحسب، بل سيعاني أيضًا من تهاوي سعر الشيكل إلى مستويات لم يشهدها سوق الصرف منذ سنوات عديدة، وهو ما اضطر بنك إسرائيل المركزي إلى الدخول ضاخًا مليارات الدولارات للحيلولة دون انهيار العملة، وهروب الأموال والاستثمارات الأجنبية، وتراجع صادرات سلع رئيسية، ونزوح السيولة النقدية من البنوك والبورصة، وتخفيض التصنيف الائتماني لدولة إسرائيل مرات عدة.
الأعباء التي يعاني منها الإسرائيلي تأتي في الوقت الذي يؤكد فيه نتنياهو ووزراء حكومته أنه حتى نهاية عام 2024 لم يتحمل المواطن تكاليف ميزانية الحرب بشكل مباشر، وأن الحرب جرى تمويلها منذ أكتوبر 2023 بقروض حكومية داخلية وخارجية، أما الآن فإن الحكومة سوف تقترض بشكل أقل بسبب تفاقم عجز الموازنة والدين العام، وأنه سيتم تحميل المواطن جزءًا من كلفة الحرب في صورة زيادة الضرائب والأسعار ومخصصات الضمان الاجتماعي وخفض النفقات العامة وغيرها.
في عام 2024، اقترضت دولة الاحتلال أكثر من 260 مليار شيكل من الأسواق الدولية والمحلية، وهو معدل قياسي لها، لتمويل كلفة حرب الإبادة، وهو ما أدى إلى زيادة العجز في الميزانية إلى 7.7% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وأعباء الدين الحكومي وارهاق المالية العامة.
عام 2025 سيكون صعبًا بكل تأكيد على الإسرائيلي، حتى لو وضعت الحرب أوزارها وتم ابرام اتفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية، فقد ألحقت الحرب أضرارًا كبيرة بالاقتصاد الإسرائيلي، وتلقت كل الأنشطة المختلفة ضربة قاسية، مثل السياحة والزراعة والبناء والتشييد والصناعة والخدمات. وحتى الآن، كلفت الحرب الاقتصاد الإسرائيلي بالفعل أكثر من 250 مليار شيكل (67.3 مليار دولار)، وتطالب وزارة الحرب بزيادة سنوية لا تقل عن 20 مليار شيكل (5.4 مليارات دولار).
وبسبب الحرب، تدهورت صناعة السياحة الوافدة إلى دولة الاحتلال بنسبة فاقت 70% خلال العام الماضي، مقارنة بـ 2023، وتراجعت بنسبة أكثر من 80%، مقارنة بعام الذروة قبل جائحة كورونا في 2019. وأغلقت نحو 60 ألف شركة ومشروع صغير ومتوسط أبوابها عام 2024، بزيادة 50% مقارنة بالسنوات السابقة. وتحول الاقتصاد الإسرائيلي بشكل متسارع نحو العسكرة، وهو ما أثر على الصادرات ومناخ الاستثمار وسوق العمل.