في الوقت التي تعاني فيه مصر بشكل عام وهيئة قناة السويس بشكل خاص من أزمة اقتصادية بسبب الأوضاع في المنطقة، أعلنت السلطات، الأسبوع الماضي، أنها أجرت بنجاح التشغيل التجريبي لمشروع ازدواج قناة السويس.. فما هي طبيعة وهدف هذا المشروع؟ وهل يمكن أن يعزز الاقتصاد الوطني؟.
المشروع لا يرتبط بفكرة الازدواج الكامل للقناة، التي أثارت مخاوف لدى قطاع كبير من المواطنين، من أن تكون "إهدارًا للموارد"، كون هذا الازدواج يمتد فقط في منطقة البحيرات المرة الصغرى، ضمن مشروع تطوير القطاع الجنوبي بالقناة.
وقال رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، في بيان، السبت الماضي، إن "مشروع تطوير القطاع الجنوبي بشقيه يعد نقلة نوعية كبيرة، ستسهم في تعزيز الأمان الملاحي بالقناة وتقليل تأثيرات التيارات المائية والهوائية على السفن العابرة".
تعزيز قدرة القناة
ورأى أستاذ الاقتصاد الدولي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، علي الإدريسي، أن هذا الإعلان "خطوة مهمة لتعزيز قدرة القناة على استيعاب المزيد من السفن وزيادة كفاءتها التشغيلية، مما ينعكس إيجابيًا على الإيرادات المتوقعة خلال الفترة المقبلة".
وأوضح الإدريسي أن الازدواج "يعني توفير مسار إضافي للسفن في بعض أجزاء القناة، مما يقلل أوقات الانتظار ويرفع مستوى الأمان الملاحي، ويجعل القناة أكثر قدرة على منافسة الطرق البديلة"، وفقًا لموقع "الحرة".
المشروع الذي أعلنت هيئة قناة السويس إتمامه، يتمثل في زيادة مساحة الازدواج 10 كيلومترات لتضاف إلى "القناة الجديدة" التي جرى افتتاحها عام 2015، ليصبح طولها 82 كيلومتر بدلاً من 72، وفق بيان رسمي.
وقال الإدريسي إن الجدوى الاقتصادية من مشروع الازدواج الجديد "تتمثل في زيادة العائدات مع تقليل وقت عبور السفن وزيادة الطاقة الاستيعابية".
وكانت هيئة قناة السويس قد قالت إن الطاقة الاستيعابية "ستزيد بمعدل 6 إلى 8 سفن إضافية يوميًا".
وأضاف أستاذ الاقتصاد الدولي، أن المشروع "يرفع القدرة التنافسية عبر تحسين الكفاءة التشغيلية، مما يجعل القناة الخيار الأول للخطوط الملاحية الكبرى، بجانب تحسين الخدمة، حيث تقل أوقات الانتظار، مما يسهم في تقليل تكاليف التشغيل للسفن العابرة، ويشجع المزيد من العملاء".
خسائر بـ 7 مليارات دولار
شهدت قناة السويس انخفاضًا كبيرًا في عائداتها بأكثر من 60% خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق، مما يمثل خسارة هائلة تزيد عن 7 مليارات دولار، وفقًا لبيان صدر يوم الخميس 26 ديسمبر الماضي.
وتعد القناة، التي تمر عبرها 12% من التجارة العالمية وتعتبر شريان حياة للاقتصاد المصري المتعثر، واحدة من أكثر المرافق تأثرًا بالحرب الإسرائيلية على غزة وأعمال الحوثيين في اليمن.
هددت جماعة الحوثيين السفن التي تنقل البضائع إلى "إسرائيل"، مما أدى إلى تعطيل حركة التجارة عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
منذ نوفمبر 2023، شن الحوثيون ما يقرب من 100 هجوم على السفن في البحر الأحمر، وصرحوا بأن هذه العمليات تأتي تضامنًا مع الفلسطينيين المتضررين من الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي أسفرت عن استشهاد 45 ألفًا و717، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الصهيوني في السابع من أكتوبر 2023، وإصابة أكثر من 108.000 آخرين. وذكر الحوثيون أنهم سيوقفون هجماتهم إذا توقفت الحرب الإسرائيلية على غزة.
تواجه "إسرائيل" اتهامات بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية (ICJ)، فيما نشرت منظمات حقوقية أدلة واسعة تشير إلى عمليات تطهير عرقي وجرائم حرب ارتكبتها قوات الاحتلال.
طموح يصطدم بالواقع
في المقابل، يعتقد أستاذ الاقتصاد السياسي عبد النبي عبد المطلب، أن ازدواج القناة يعد "مشروع القرن" بالنسبة لمصر وتعزيز مكانتها في حركة التجارة الدولية ومواجهة كافة محاولات تدشين مسارات وممرات بديلة.
بيد أنه استدرك بالقول إن مشكلة المشروع تكمن في توقيت عرضه، وبالتالي الإعلان عنه والتفكير فيه يعد "خطأ كبيرا" في ظل الظروف المحلية والإقليمية الراهنة المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وعدم التنبؤ بمساراته، وما صاحبه من التهديد الكبير لحركة الملاحة في البحر الأحمر، والذي قد يمتد عاما أو أكثر، وفقًا لـ"الجزيرة نت".
كما أن مصر، وفق عبد المطلب، تعاني من مشاكل اقتصادية حقيقية، تتمثل في عدم القدرة على توفير العملات الصعبة وخامات ومستلزمات الإنتاج، وبالتالي لو أن لدى الموازنة العامة للدولة استثمارات وفوائض، فمن الأجدى أن توجه إلى مجالات التصنيع والزراعة، ولو كانت لدى هيئة قناة السويس فوائض مالية فإن الأجدر توجيهها إلى تنمية محور القناة وإقامة منطقة لوجستية أو منطقة تجارة حرة عالمية.
وممسكًا بالخيط ذاته، يقول الباحث في الاقتصاد السياسي مصطفى يوسف، إن "الاقتصاد المصري لم يعد قادرًا على تحمل أي تكاليف أو أعباء إضافية لمشاريع عديمة الجدوى".
واستشهد يوسف، بمشروع التفريعة الموازية، قائلاً إنها أدت إلى تعويم الجنيه في العام التالي لافتتاحها 2016، بعد أن تسببت في سحب السيولة الدولارية من البلاد.
ما البدائل المتاحة لتنمية قناة السويس؟
ومن منظور فني، يعتقد إبراهيم فهمي، الأستاذ الزائر بقسم الهندسة البحرية بجامعة ستراثكلايد بأسكتلندا، أن تطوير المجرى الملاحي لقناة السويس لا يتطلب ازدواج المجرى بالكامل من أجل تقليل زمن مرور السفن لمدة ساعتين، بعد المراحل المتعددة التي تم تنفيذها قبل عام 2011 والمرحلة اللاحقة في 2015.
وأوضح فهمي، أن المطلوب مشروع متوسط بتكلفة محدودة وبإمكانيات هيئة قناة السويس الحالية من وحدات التكريك (ماكينات تقوم بعمليات حفر في المياه) لتعميق منتصف المجرى الملاحي من شكل (V) إلى شكل (U) لتقليل احتمالات حدوث جنوح السفن مثل حادثة إيفرغيفن.
واستشهد بمشروع ازدواج القناة في 2015، قائلاً إنه كان من الممكن تنفيذه بنحو نصف التكلفة التي تخطت آنذاك 8 مليارات دولار، وكانت التبريرات الحكومية لضغط الجدول الزمني للمشروع واستئجار مقاولين بضعف الأسعار العالمية "غير منطقية".
وبحسب تقرير سابق لمنصة "حلول للسياسات البديلة" -مشروع بحثي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة- فإن إيرادات القناة لا تعبر عن قيمتها الاقتصادية، ويجب أن تتجاوز جهود توسعة القناة ونقل ملكية أصولها إلى شركات وصناديق خاصة.
وأشار التقرير إلى توصيات يمكن أن تحقق إيرادات مستدامة تضيف قيمة اقتصادية، منها:
- إنشاء منطقة صناعية ولوجستية حول القناة ترتكز على الصادرات، وتجنب الاعتماد فقط على معدلات مرور السفن والرسوم المفروضة عليها.
- تطوير خدمات السفن العابرة للقناة من خلال إنشاء أحواض إصلاح وصيانة وخدمات في مدينتي بورسعيد والسويس.
- تطوير المناطق التجارية الحرة بالمدن المحيطة بالقناة، حيث تظهر البيانات أن الكثير من السفن العابرة للقناة تتجه أولًا إلى "جبل علي" في الإمارات للحصول على خدماتها المختلفة قبل المرور بمصر، بسبب ندرة الخدمات الصناعية واللوجستية بها.