على مدى السنوات الست الماضية، اتجهت دول الخليج تدريجيًا لتطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد في سوريا، في خطوة تعكس اعتبارات استراتيجية متعددة. جاء هذا التحول مدفوعًا برغبة في مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد، والاعتراف بحقيقة أن الأسد احتفظ بقبضته على السلطة رغم العزلة الدولية. وأعادت بعض الدول الخليجية، مثل الإمارات والبحرين، فتح سفاراتها في دمشق منذ عام 2018، بينما لحقت السعودية بالركب في سبتمبر 2024. 

هذا التوجه كان مبررًا لدى البعض على أنه ضرورة لحماية المصالح الإقليمية ومنع القوى غير العربية، وخاصة إيران، من تعزيز نفوذها في سوريا. في المقابل، بقيت قطر ثابتة في رفضها لأي تقارب مع الأسد، معتبرة أن ذلك يخالف موقفها المبدئي تجاه النظام.

عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية العام الماضي شكلت منعطفًا في هذه الجهود، حيث شارك في قمة استضافتها السعودية، بينما شاركت الإمارات في مفاوضات مع الولايات المتحدة لاستكشاف إمكانية تخفيف العقوبات على سوريا مقابل الحد من تهريب الأسلحة الإيرانية. لكن هذه الجهود توقفت فجأة مع سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، وفراره إلى موسكو بعد انهيار مفاجئ.

ترك هذا التطور الدول الخليجية التي دعمت نظام الأسد في موقف حرج، لكنها وجدت نفسها أيضًا أمام فرصة استثنائية لإعادة صياغة دورها في سوريا الجديدة. استأنفت السعودية والإمارات والبحرين وعمان نشاطها الدبلوماسي في دمشق بعد سقوط الأسد، وأكدت دعمها للقيادة السورية الانتقالية. وأعربت اللجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا عن تأييدها للانتقال السياسي السلمي في البلاد، بينما أرسلت البحرين، التي تترأس جامعة الدول العربية هذا العام، رسالة دعم إلى الحكومة السورية الجديدة.

برزت السعودية كفاعل رئيس في هذا المشهد، حيث قدمت دعمًا قويًا للقيادة الانتقالية الجديدة. أشادت المملكة بجهود الحكومة لحماية الأقليات وتعزيز الاستقرار، وأظهرت استعدادًا للتعاون عبر إرسال وفود رفيعة المستوى إلى دمشق، بالإضافة إلى إعلان نيتها تزويد سوريا بالنفط. يُظهر هذا الانخراط نوايا السعودية الجادة في الإسهام في استقرار سوريا، بالتوازي مع تنسيقها مع تركيا، التي أصبحت القوة الأبرز في إدارة المرحلة الانتقالية وإعادة الإعمار.

أما الإمارات، فقد أبدت تفاؤلًا حذرًا تجاه القيادة السورية الجديدة. وأشار أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، إلى أهمية دعم سوريا في المرحلة الانتقالية، لكنه شدد على ضرورة الحذر بسبب ارتباط بعض مكونات القيادة الجديدة بالفصائل الإسلامية. رغم ذلك، تُظهر الإمارات استعدادًا لدعم الاستقرار في سوريا إذا ثبتت جدية الحكومة الانتقالية. على النقيض، كانت قطر سريعة في تقديم الدعم، مما يعكس دورها القيادي في دعم المعارضة السورية خلال العقد الماضي.

من جهة أخرى، يبرز النفوذ التركي بشكل لافت في المشهد السوري الجديد. كما أن مكاسب تركيا في سوريا تنعكس على مناطق أخرى، مثل جنوب القوقاز، حيث تتعاون أنقرة مع أذربيجان ضد النفوذ الإيراني الداعم لأرمينيا. ومع ذلك، لا يمكن لتركيا أن تتحمل وحدها عبء إعادة الإعمار وبناء الدولة في سوريا. التعاون مع دول الخليج ضروري لتوفير الموارد المالية والدعم السياسي الذي تحتاجه سوريا في هذه المرحلة.

في هذا السياق، تلعب قطر دورًا مميزًا بفضل دعمها المستمر للمعارضة السورية واستضافتها للائتلاف الوطني السوري. وأسهمت الدوحة بشكل مباشر في تسهيل المحادثات الدولية التي أدت إلى سقوط الأسد، مما يعزز موقعها كأحد اللاعبين الأكثر تأثيرًا في مستقبل سوريا.

سقوط نظام الأسد يمثل فرصة استراتيجية لدول الخليج لإعادة صياغة دورها في سوريا: من خلال دعم تشكيل حكومة شاملة ومستقرة، يمكن لدول الخليج حماية مصالحها الإقليمية والإسهام في تحقيق الاستقرار. هذه اللحظة تقدم أيضًا فرصة للولايات المتحدة للعمل مع دول الخليج وتركيا لدعم إعادة الإعمار، وربط المساعدات بشروط تضمن استقرار العملية الانتقالية.

انهيار نظام الأسد يمثل نقطة تحول كبيرة في تاريخ المنطقة، ويتيح فرصة لدول الخليج لتشكيل مستقبل سوريا الجديد. 

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/what-role-will-gulf-states-play-in-shaping-the-new-syria/