قال الباحث الاقتصادي محمد رزق عبر فيسبوك Muhammad Rizk : إنه “بات جليًا لغالبية الاقتصاديين المهتمين بالشأن المصري أن صندوق النقد الدولي يقترب رويدًا من إعلان تجميد القرض المصري الأخير، وتبعات ذلك السلبية التي صورها البعض بدخول الاقتصاد المصري في نفق مظلم قد يتسبب في الإسراع في انزلاق مصر إلى هاوية مجاعة شديدة الوطيس”.

 

المؤسسات السيادية

وعن المزاحمة الاقتصادية ومرونة سعر الصرف؛ أشار إلى أن “موقف الصندوق ثابت، ومصر وافقت على ذلك متمثلاً في التوقيع على خطاب التفاهمات قبل موافقة مجلس أمناء الصندوق على القرض الأخير”. لافتًا إلى أنه برغم إصدار السيسي مؤخرًا توجيهات إلى رئيس الوزراء قام الأخير بتعميمها في شكل كتاب دوري على كل مؤسسات وقطاعات الدولة، لوضع عقبات إجرائية أمام الجهات التي يطلق عليها (سيادية) والتي تحتكر نسبة كبيرة من الاقتصاد المصري، وتتمتع بمزايا غير متاحة للقطاع الخاص بدون الرجوع إليه”.

 

حتمية التخارج!

وأكد “رزق” أن “طلب الصندوق واضح في هذا الشأن ومفاده حتمية تخارج تلك المؤسسات كليةً من الاقتصاد أو على اقل تقدير معاملتها معاملة القطاع الخاص، وذلك لإزالة عقبة كبيرة أمام حركة دوران عجلة الاقتصاد لإفراز التنمية الضرورية، وهذا مطلب قد يبدو سهل المنال لكن تحقيقه على أرض الواقع أشبه بالمستحيل لأسباب يطول شرحها في هذه المساحة الضيقة”.

 

سعر الصرف

ونبه الباحث إلى إصرار صندوق النقد على مرونة سعر الصرف وذلك بغية تغطية الفجوة الدولارية في السوق، وهذا أمر له بعد اجتماعي خطير، فمعنى رفع الدولة يدها عن سعر صرف الدولار المدار، هو ببساطة عودة نشاط السوق السوداء والمضاربة على العملة الخضراء وقد يتسبب ذلك في تخطى الدولار حاجز الـ 100 جنية ومن ثم انفجار بركان ارتفاع الأسعار”.

 

الإذعان آت

وههيات هيهات من الفرار، عبّر عن ذلك محمد رزق، موضحًا أنه “ليس أمام مصر للأسف خيار إلا أن تذعن لمطالب الصندوق إن كانت تبغي الاستمرار في وتيرة الاقتراض من الخارج لسداد القروض الخارجية وخدماتها والحصول على قروض جديدة”.

وأوضح أن “القطاع الخاص هو اللاعب الرئيس الذي تحركه أهداف الربح وتستفزه المنافسة العادلة، من أجل تحسين المنتج أو الخدمة وإتاحتهما بأسعار مقبولة للمستهلك، وهذا الأخير تتساقط عليه ثمار المنظومة المنضبطة كلها في صورة منتجات عالية الجودة منخفضة السعر، وعليه أن يستخدم مصادر دخله المحدود في التصويت لصالح المنتجات والخدمات المختلفة، بما تفترض النظرية الاقتصادية أنه يتم بشكل رشيد، حتى تقوم الأسواق بطرد المنتجات الرديئة وتشجّع المنتجات الجيدة”.

وحذر الباحث الاقتصادي محمد رزق من أن مشكلة مزاحمة القطاع العام والحكومي للقطاع الخاص متعددة الجوانب والسلبيات :

 

أولًا - تتسبب في إفساد آليات السوق التنافسية القائمة على العرض والطلب وتعدد البائعين والمشترين، والمنافسة هي حافز الإنتاجية والتميز الأهم ، الذي عادة لا يحكم عمل وأداء المشروع العام الذي تحرّكه أهداف أخرى مجتمعية في الأساس.

 

ثانيًا - إفساد التخصيص الأمثل لموارد وإمكانات الدولة؛ لأن الأقل كفاءة هو الذي يحل محل الأكثر كفاءة والأكثر قدرة على الإنتاج والتصدير.

 

ثالثًا - تعميق أزمة الشح الدولاري؛ لأن بعض المشروعات العامة تكون كثيفة المكوّن الأجنبي وتستسهل الحصول على قروض بالعملة الصعبة من البنوك الحكومية بضمانات سيادية أو شبه سيادية، كما أنها عادة ما تخفق في التصدير أو تحقيق صافي صادرات معتبر.

 

رابعًا - ضياع مصدر مهم من إيرادات الحكومة في صورة ضرائب يسددها القطاع الخاص المنتج والرابح، ولا تسددها مشروعات حكومية وشبه حكومية لا تحقق أرباحًا بالضرورة ، وإن حققت فهي إما تكون أقل من نظيرتها الخاصة، أو تكون معفاة من الضرائب لأسباب متعددة.

 

خامسًا - ضياع فرصة جذب الاستثمارات الأجنبية، التي تعتمد على القطاع الخاص المحلي كعنصر جذب مهم وفعّال لدخول رؤوس الأموال الأجنبية، ولا تفضّل عادة مشاركة الحكومة أو منافستها. والاستثمار الأجنبي المباشر هو مصدر مهم لنقل المعرفة، ولسد فجوة الادخار المحلي (المنخفض أساسًا بالدول النامية) لتحقيق معدلات نمو مرتفعة محفّزة بالاستثمار عوضًا عن الاستهلاك.

 

سادسًا - تعميق أزمة الدين العام الذي يلتهم الإيرادات العامة، ويؤثر سلبًا على تكلفة التمويل وعلى الحيز المالي المتاح للحكومة، نظرًا لأن الدولة عادة ما تعتمد على تمويل المشروعات بالديون.

 

سابعًا - مضاعفة أزمة التضخم؛ لأن تمويل مشروعات الدولة يتم في جانب كبير منه بالسحب على المكشوف وطباعة البنكنوت، مما يتسبب في زيادة المعروض النقدي دون زيادة حقيقية في الإنتاج، ومن ثم ارتفاع الأسعار. وإذا كانت مزاحمة الدولة للقطاع الخاص تجد مبررًا لدى المدافعين عنها في سياق أن الدولة تتدخل لمنع جشع المنتجين والتجار، أو أنها تتدخّل لأن الأسواق تفتقر إلى الرقابة المناسبة.. أو أيًا كانت المبررات.

 

غياب الرقابة والتنظيم

وطالب الباحث بالفهم “أن دخول الدولة في الأسواق مشروط بعدم المزاحمة ، لأنها لا تدخل إلا لدى عزوف القطاع الخاص عن العمل ، لكن هنا يجب أن ننتبه إلى ضرورة ألا تكون الدولة ذاتها هي المتسبب في العزوف، عن طريق تشريعات أو تنظيمات أو ممارسات سوقية. كما يجب أن ننتبه إلى أن غياب الرقابة والتنظيم هو عوار يجب إصلاحه عوضًا عن الركون إليه كمبرر للعب دور آخر ليس من اختصاص الجهات الحكومية”.

لا حاجة إلى إعادة اختراع العجلة؛ لأن استدعاء فكرة اليد الخفية للحكومة التي أطلقها مؤسس علم الاقتصاد الحديث «آدم سميث» كافية جدًا لتفنيد أي ادعاء يزعم أن المزاحمة جيدة ومرغوبة.

بل إن الكثير من مشروعات البنية الأساسية التي كانت النظرية الكلاسيكية تعزز من ضرورة قيام الدولة بها دون شريك، أصبحت جاذبة للقطاع الخاص من خلال القيام بها بشكل منفرد أو بالمشاركة مع القطاع العام.

أما الدور الاجتماعي للحكومة فعليها أن تمارسه من خلال ضبط الأسواق، واستهداف مستحقي الدعم بالمزايا المباشرة، وتحسين بيئة الأعمال لخلق المزيد من فرص العمل، إلى جانب أمور أخرى يضيق بها المقام بسردها، بحسب محمد رزق.