يميل البعض إلى تصنيف المشهد الأخير في حياة القائد يحيى السنوار بأنه صنع له كاريزما عالمية تضاهي أو تفوق كاريزما الرموز المنتشرة العالمية مثل تشي جيفارا ومحمد علي كلاي وأوناسيس وصدام حسين، بينما يفضل آخرون التعبير عن ذلك برمزية استشهاده بالنسبة لجنوده في الميدان، والذين تواصلت أعمالهم وخاصة النوعية منها كقنص قائد كتيبة رقم 401، ورشقة صاروخية من شمال غزة على أسدود، واستهدافٍ بات معتادا للآليات الصهوينة (دبابات وناقلات جنود).

قائدٌ لن يموت

الكاتب الليبي منــير الشيـخي @albraamuneer عبر عن هذه الكاريزما بعنوان (السنوار..القائد الذي لن يموت) مستدعيًا ما كتبه أحد المحللين الصهاينة في صحفهم العبرية: "كان يتحدث دائماً برأس مرفوع، ولهجةٍ حازمة متسلطة، لا تظهر عليه أي أمارات خوف، لم أرَ مثله في حياتي، إنه رجل صلب، مُثقف، ذكي وقاسٍ...شخصية استثنائية بالتأكيد، ويتمتع بذكاء غير عادي، وهو رجل متدين جدًا ومتصالح مع أقواله وأفعاله؛ لسوء الحظ، لا أعتقد أن إسرائيل سوف تتمكن من اعتقاله!!" موضحًا أن ذلك هو "السنوار في رواية أعدائه".

وأضاف "الشيخي"، "كل شيء منذ البداية كان يُمَهِّدُ للبطولة؛ حياة من فصول خاصة، مليئة بالأسر والمقاومة والصمود لتختم بالشهادة .. في أكتوبر حيث وُلد، وحيث نال حريته من الأسر الذي استمر لعقدين من حياته، وأطلق مشروع شهادته (طوفان الأقصى)، وهو ذات الشهر حيث تُوِّج مسعاه بإحدى الحسنيين؛ شهيدًا...كما يليق بختام مقاوم.. مُقبِلًا غير مُدبِر يستشهد في الميدان؛ لا ينعم في الأنفاق كما ادَّعى خصومه؛ لتُخَلَّد في الأرض ذكراه، وفي السماء روحه.. صمودًا في وجه الأسر حتى الحرية، صلبًا أمام المحتل حتى التحرير..".

ومن رمزية السلف يستدعي الشيخي حالة عبد الله بن الزّبير الذي "خطب يوما فى الناس لما بَلَغه قتل مصعب أخيه، فقال: إن يُقتَل فقد قُتِل أبوه وأخوه وعمه، إنَّا والله لا نموت حتفًا، ولكن قعصًا بأطراف الرماح وموتًا تحت ظلال السيوف؛ وإن يُقتل مصعب فإنَّ في آل الزبير خلفًا منه"، (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) 
 
وأضاف: "قضى الشهيد نَحْبه رحمه الله وقد صدق عهده، فكان خير خلفٍ لخير سلف،  أما نحن فما زلنا نقف على ثغورنا ننتظر ولا نُبدِّل، الكثير من الأجساد ما زالت ستسقط، وستظل المقاومة مستمرة، فمن أسلم وجهه لله؛ فإنَّ الله حي لا يموت، شاهِدٌ مُطَّلع، وهو المنتهى...وإليه السبيل.".

https://x.com/albraamuneer/status/1847341015750860969

ليس المشهد الأوحد
وأشار متابعون إلى أن المشهد الأخير لم يكن الأوحد، بل جهادٌ استمر معه 63 عاما هو عمر السنوار.
فكتب إبراهيم الدويري @duweiry بعنوان "القائد الشهيد #السنوار...  63 عاما من الصلابة في الحق وطلب الشهادة!": "حين كان عمر القائد يحيى السنوار 27 عاما ولم يتزوج بعد، ولم يقض من لبنات الحياة والشباب شيئًا ذا بال بمعايير الغارقين في الأشياء، حاول القضاة العسكريون في المحكمة تسجيل نصر استرحامي منه يعوضهم ما عجزوا عن تحقيقه بالتعذيب والتنكيل، فقالوا له قبيل النطق بالحكم بحضور والدته الحاجة أم جميل رضا عبدالله السنوار وشقيقه حامد: "هل أنت نادم أو تطلب الرحمة، قال: أطلب أن تحكموا بإعدامي ليكون دمي أول دم يراق وليكون شعلة للمجاهدين".

وأشار إلى أن "يحيى كان قذى في عيون الصهاينة والعملاء والمنبطحين والخونة، طلب الشهادة وهو يافع ثم في شبابه وهو في السجون، ثم ألح عليها وهو أسير محرر يجدد في بناء المقاومة وتشييد أركانها، وكان يوقن أن الله لم يخرجه من سجون القتلة إلا لأمر عظيم، وقد كان.
فالطوفان بداية تاريخ، وارتقاء السنوار وهو مشتبك مع أعدائه محطة فارقة في فصول ذلك التاريخ، وبهذه الشهادة يكون السنوار جمع كل رمزيات المقاومة الفلسطينية من الجهاد والأسر والقيادة والشهادة في عمر النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ألحقه الله بهم.


حول الخاتمة
ومن بين المعلقين حساب @Drvergilsparda الذي يتردد بالإشادة بما كان عليه السنوار فتارة يشيد به ويحمله في الوقت نفسه مسؤوليات لا يدل عليها حال السنوار وقت استشهاده، بل صنعها الاحتلال والغرب الذي يدعي أنه يسيطر على العالم ومنافقو العرب بهزلهم.
فيقول الحساب تعليقا على حدث خاتمة السنوار: "صنع السنوار عالماً جديداً وكتب نهايته بنفسه وبإرادته بلا أي تردد.. ورَّط هذا الرجل كل اللاعبين الدوليين في إقليمنا الذي كادت أن تلفظ فيه حركات المقاومة قرنها الأخير بالاتفاقات الإبراهيمية.. كل يومٍ منذ السابع من اكتوبر يمضي عالمنا بعيداً تماماً عمّا كان عليه قبلها ..".

ويضيف، "كان هذا صنيعه .. حربٌ ضروسٌ وقتالٌ شرس ولهيب حربٍ يحرق العالم .. هذا العالم الذي كتبه ومضى فيه السنوار كتب فيه نهايته بنفسه بمشهدٍ استثنائي رمزي لانتحاري غزة الذي أضرم النار في إسرائيل والمحور والإقليم بأسره.. هذا الرجل إن كرهه شطر العالم وأحبه شطرهم الآخر .. لا يستطع حتى نتنياهو أن يذكر كيف لابن الستين عاماً مُحاصرًا ينزف وذراعه تقطر دمًا وفي ركبتيه إصابة قاتلة وقد نفذت ذخيرته يُصر على اللثام حتى يستفز الكواد كابتر فتقتله بدلاً من أن تقوده أسيراً لتُذله أمام أقرانه والعالم لتحاكمه وتمعن في إذلاله .. فعلت اسرائيل حماقة لم تفعلها امريكا قط ..".

ويشير إلى أنه "لقد رمزت اسرائيل الرجل منذ السابع من أكتوبر واختتمتها بميتة رمزية ستُطبَع في الأذهان لعقودٍ طويلة؛ لم تفعل ذلك أمريكا في ألد أعدائها .. لم تمنحهم رمزية موت الفارس من تشي جيفارا و صدام وحتى أسامة والزرقاوي .. تعمدت دائماً اقتضاب الفعل كونه انتصاراً "للخير" على "الشر" بضربة ساحقة".

وعن السنوار يتابع: "أطرته إسرائيل كرجل رفض الاستسلام وهو ينازع نزيفًا حادًا واصابات قد تودي بحياة حتى أكثر الشباب الأصحاء إن تعرضوا لها .. ورغم ذلك يشتبك بسلاحه حتى يُحاصر ؛ فيُلقي قنبلة على خصمه فيصيبه ؛ ثم يُصاب أكثر ؛ فيستفز الكوادر لتقتله وهي لا تعلم ثمن الهدف ولو علمت لاعتقلته حياً وكيف تعلم و السنوار يريد الفوز حتى النهاية .. يُريد تأطير حياته لأجل ما عاش لأجله .. عالمٌ بلا غزة وفلسطين ليس بعالم .. فلا يهم حينها محورًا أو اتفاقات إبراهيمية أو دولاً اقليمية .. ستضرم النار في كل شئ ومن فوق الرماد ينبع الرمز .. لقد اختار السنوار هذه النهاية لنفسه كما يختارها أي فارسٍ -مهما كان موقف العالم كله منه- بجعبة وكلاش وقنبلة وعصا ..على الجبهة ..يُقاتل..حتى بعد موته ..".

ويستدرك مقرا أنه : "سيظهر رمز السنوار من جديد في كل حربٍ سيدخلها هذا الإقليم بين الأطراف وبعضها .. فالحرب لم تنتهي ولن تنتهي حتى يبلغ حلم السنوار تصادم الحديد بالحديد والنار بالنار .. قائدٌ عسكري قُتل ولم يمت على أريكته يُقرر أن يُقتل لا أن يستسلم وأن يُذل ويُهان ليحافظ على الرمز لجنوده ومقاتليه الذين لم تتوقف عملياتهم بعد؛ سيستمرون في القتال فقائدهم اشتبك ولم يستسلم ولم ينصاع ولم ؛ ولن ".

ويوضح في ثريدة هويته: "هكذا هي معادلة السنوار  بسيطة وغير معقدة كلما هدأت نار الحرب وحديث الساعة عن غزة أضرمتُها ولو بجسدي وما أُحب ؛ وما أكره، فللحرب قُربان فلتصرخ غزة .. ويتداعى العالم.
كان السنوار راديكالياً حتى وإن اختلفت معه فستبقى شخصيته الجذرية الراديكالية لها رونق حتى عند إسرائيل .. فالعالم قد سئم المتلونين ويشتاق للشجعان ويشتاق للفرسان وقيم البسالة في الحروب ".

مستدركًا مجددًا أن: "الحرب وسيلة للمرء لإيقاظ البطل في داخله، تكسر الحياة الرتيبة اللحظة التي يعيش فيها الإنسان شجاعاً حتى ولو كانت لحظته الاخيرة فهي تزن أكثر بكثير من حياة رتيبة بين تفاهات المُدن وأحاديث التافهين، وكما يقول إيفولا: للحرب قيمة تفوق المادية .. للحرب قيمة روحية".