بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وارتداد معظم قبائل العرب أو منعها الزكاة، ظهر دور القائد الفذ -أبوبكر الصديق- والنخبة الممتازة -كبار الصحابة- والتفوا حول مشروع واحد تلخص في فكرة مركزية، وهي الحفاظ على الإسلام والدولة كما هما دون تغيير.

لذلك مهم جدا قبل الشروع في قراءة هذا المقال العودة للمقال السابق المنشور في موقع "عربي21" تحت عنوان "في الذكرى الأولى للطوفان، لماذا تقاعسنا؟ وكيف ننصرهم؟" بتاريخ السابع من أكتوبر 2024، والذي فيه تفصيل لما حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وتحدثت فيه عن أسباب حالة التردي التي وصلنا إليها كشعوب ونخب، ثم أوضحت الخطوة الأولى نحو إصلاح الخلل، وهي توافر القائد ومعه نخبة قائدة متجردة ومؤثرة، ومشروع يجتمع الاثنان عليه وينطلقان منه نحو الإصلاح أو التغيير المنشود. ومن لم يقرأ المقال السابق قبل قراءة هذا المقال ستظل الفكرة مشوشة وغير واضحة لديه لأننا هنا سنفصل ما أجملناه هناك.

عادة مشاريع التغيير لا تُطرح في مقالات، وتعرض على نخبة محدودة من القادرين على استيعاب أبعادها وتنفيذها على أرض الواقع، لكن نتيجة الواقع المرير الذي تحياه الأمة وحالة التيه الموجودة رأيت أن أجعل المشروع في مقال أو عدة مقالات ليسهل انتشاره ومن ثمّ تبنيه، لعل الله يجعل فكرة في ثناياه تنبت في عقل وقلب من يتبناها ويعمل على إنفاذها. ولا أدعي الصواب ولكنه اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ، فما كان صوابا فمن الله وما كان خطأ فمن نفسي والشيطان.

 

تقييم الواقع

لنعرف كيف ننطلق علينا أن نحدد في نقاط موجزة شديدة التركيز واقعنا الراهن، ويمكن تلخيصه في الآتي:

 المعركة بين الاحتلال والمقاومة أصبحت معركة وجودية، ويؤمن الطرفان بألا بقاء لأحدهما إلا بإنهاء وجود الآخر.

 نتيجة التخلف الحضاري الذي تحياه الأمة ومن أهم جوانبه التخلف العلمي والتكنولوجي من حيث الصناعة والتسليح ونحو ذلك، هناك خلل بنيوي كبير وضخم بين قدرات العدو وحلفائه وبين المقاومة والمتعاطفين معها.

- الأنظمة العربية غالبيتها الساحقة هي أنظمة وظيفية موجودة لإعاقة الانبعاث الحضاري للأمة من جديد، ويبرز هذا أكثر في دول الطوق وأهمها مصر، والأردن، وسوريا، ولبنان.

 جميع النخب العربية وأهمها الحركات الإسلامية السنية لم تكن على مستوى الحدث، وفضلت الانكفاء على الذات بدعاوى مختلفة شرحناها في المقالات السابقة.

 مستوى الاختراق الأمني كبير وهائل وليس في حزب الله فحسب كما تابعنا، ولكنه كذلك في كل النخب العربية وحركات الإسلام السياسي، وهو اختراق متعدد الأشكال؛ أقله من حيث الكم الخيانة والعمالة وأكثره التقني والترصد والتتبع والتلاعب النفسي والسيطرة العقلية والجمعية.

- النظام العالمي بقيادة أمريكا والغرب يعتبر السيادة العسكرية المطلقة خطه الأحمر الكبير الذي يتوحش عند محاولة تجاوزه، ويقلّ مستوى التوحش تدريجيا كلما ابتعدت عن هذا الخط الأحمر.

- نحن نعيش زمن فقه الاستضعاف أو فقه الضعف وليس فقه القوة والتمكين، وهو ما يعني أن خيارات العمل والتدافع ستراعي متطلبات فقه الضعف وليس فقه القوة، وعليه ستكون اختيارات العمل والمدافعة ليست الأشكال المثالية أو التي تدغدغ أحلام الحالمين؛ لأنه ما أجمل وأسهل التنظير في الفراغ وفي منصات التواصل، ولكن ما أكتبه هنا يراعي وبشدة أن يكون واقعيا قابلا للتنفيذ والتطوير.

- إذا لم نتحرك فسيأتي الدور على الجميع، ليس هذا تنظيرا من عندي، ولكنه ما أعلنه كثير من ساسة الغرب وعقولهم المفكرة. نحن نعيش إعادة تشكيل للمنطقة بكاملها فضلا عن حرب عالمية قادمة ستتم أولا بالوكالة، تقرع طبولها ويعلو نفيرها في منطقتنا، وأحمق من لم يفهم ذلك حتى الآن وأشد منه حمقا من ظنّ أنه سينجو من المحرقة القادمة إذا لم نتحرك سريعا. وفي هذا تفاصيل وأدلة كثيرة ليس مقامها هنا الآن.

 

المعنيون بالمشروع "النخبة القائدة"

هذا المشروع المعني بتبنيه وتنفيذه ثلاث جهات أو أنواع ويمكن أن نعتبرهم نواة الذرة وتتشكل حولها دوائر أخرى من نفس النوع، ومكونات هذه النواة هم بالترتيب على حسب الأهمية:

أولا: قادة التفكير والتخطيط الاستراتيجي، وهم نقطة الارتكاز ويكفي منهم أقل من عشرة.

ثانيا: رجال الأعمال والإدارة والعلاقات وكل من لديه موارد لتنفيذ مشاريع الدعم، فمشروع بلا دعم هو بلا قيمة.

ثالثا: المؤثرون في الإعلام وشبكات التواصل بأشكالها المختلفة، ومهمتهم كبيرة في التعبئة والحشد والتبني.

يجب أن يتسم هؤلاء بالصفات التي تحدثنا عنها في المقال السابق وإلا لن نصل لنتيجة، ويمكن أن نلخّص سبب اختيار هذه الفئات تحديدا في الجملة التالية: نحتاج فكرة قاطرة أو مشروع يستوعب الناس يصنعه قادة الفكر والتخطيط الاستراتيجي، ونحتاج رجال المال والأعمال لنقل المشروع من الورق إلى الأرض، ونحتاج الإعلام والمؤثرين لصناعة الزخم والتبني والتدافع، فبدون هؤلاء الثلاثة معا لن يكتب لأي مشروع تغييري النجاح.

 

الهدف الاستراتيجي للمشروع

الهدف الذي يتمحور عليه المشروع كاملا هو استعادة الشعوب العربية للواجهة مرة أخرى خاصة الشعب المصري ثم الأردني، بمعنى آخر الهدف هو تثوير الإقليم أو أقلمة (من الإقليم) الثورة بداية بمصر.

لماذا الحديث عن الثورات مرة أخرى ولماذا مصر أولا؟

هناك استراتيجيتان يتم استخدامهما حاليا لمناصرة غزة وفلسطين، وهما العمل العسكري داخل وخارج فلسطين، وموازين القوى المسلحة مختلة بشكل كبير كما نشاهد ونتابع، والاستراتيجية الثانية هي النضال السلمي الموجود في معظم دول العالم خاصة العالم الغربي. ومع استخدام الاستراتيجيتين لم تتوقف الحرب، بل تتوسع والدمار يزداد على أهلنا في غزة ولبنان.

نقطة أخرى، لماذا أبدت المقاومة في غزة من الناحية العملية تماسكا وصمودا أكثر بكثير من حزب الله، رغم أن ترسانة حزب الله أقوى بكثير من المقاومة في غزة؟؟ السبب الأهم -بعد الله- هي الحاضنة الشعبية القوية في غزة، على عكس لبنان، حيث مثّلت العنصر الأهم ميدانيا واستطاعت تحدي أكبر عملية إبادة جماعية في العصر الحديث بدعم أكبر الترسانات العسكرية في العالم.

ما علاقة كل هذا باستدعاء الشعوب -التثوير- خاصة الشعب المصري أو تثوير الإقليم؟

وفقا لفقه الضعف أو الاستضعاف والاختلال الهائل في موازين القوى، لا يوجد أي فرصة متاحة لإنقاذ فلسطين والأقصى إلا عبر مصر، ومصر يحكمها طاغية يساهم في الحصار ويدمر شعبه ووطنه، لو افترضنا أن المظاهرات خرجت في الوطن العربي بكامله من المحيط إلى الخليج عدا مصر والأردن فلن تتغير المعادلة، ستمثل ضغطا وإزعاجا للصهاينة وإسنادا معنويا للمقاومة، ولكن لن تتغير المعادلة في المنظور القريب، لكن إذا خرجت مظاهرات مليونية في القاهرة لاقتلاع حارس البوابة ستتغير كل المعادلات في الشرق الأوسط، مصر هو الواجب المتعين الآن أو الفريضة الواجبة الآن، لأنّ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

أيضا لو نظرت إلى كل الجيوش العربية بلا استثناء ستجد أنه تقريبا لم يعد هناك في الحقيقة سوى جيشين فقط ذوي قيمة، قياسا لباقي الجيوش العربية وليس الغرب، الجيش المصري والجيش الجزائري، والجيش المصري متقدم كمّا ونوعا بكثير كما أنه يقف على خط المواجهة فعليا لكن مع عقيدة عسكرية فاسدة. لنقل ما نشاء عن فساد الجيش وتحوله لشركة اقتصادية وقائد خط الجمبري ونحو ذلك، ولكن وفق فقه الضعف هو أفضل المتاح حاليا، ليس لخوض حرب ولكن للجم الاحتلال.

 

تغيير العقيدة العسكرية للجيش

باختصار شديد، يجب على النخبة القائدة التي وضّحنا صفاتها وسماتها أن تضع مشروعا متكاملا هدفه الأساسي والاستراتيجي هو استدعاء الشعب المصري في المقام الأول ثم الشعوب العربية للواجهة مرة أخرى، وهدف هذا الاستدعاء أو التثوير هو إزاحة السيسي من الحكم وتغيير العقيدة العسكرية الفاسدة للجيش، وهذا لن يحدث إلا بإزاحة السيسي أولا ومعه طبقة الجنرالات. والسؤال الذي قد يطرحه البعض، بفرض نجاح ما ترمي إليه: هل تتخيل أن يدخل الجيش بوضعه الحالي في حرب مع الصهاينة؟! سيتم سحقه!

في الحقيقة أنا لم أقل ذلك، ولكن وجود رئيس مستقل ذي كرامة وجيش محترف يعتبر الصهاينة عدوا استراتيجيا كما كان طيلة تاريخ مصر حتى جاء السيسي، كاف للجم الكيان الصهيوني ووقف الحرب وإعادة الحياة إلى غزة. وحدث أيّام مرسي ذلك وتوقفت الحرب في أقل من أسبوع، وكان وضع الجيش أسوأ والدولة مفككة نتيجة الاستقطاب السياسي والديني وقتها.

لكن مصر الضعيفة في وجود رئيس وطني أقوى مئات المرات من مصر القوية في وجود رئيس ضعيف أو خائن، ونحن الآن نجمع السوأتين؛ دولة ضعيفة ورئيس خائن وضعيف!!

نقطة ثالثة مهمة: الشعب المصري في حالة غليان فعليا على عكس باقي دول الطوق، ومعظم الشعب يسُب السيسي نهار جهارا في الشوارع وعلى منصات التواصل، أي أن بذور الغضب وسيقانه موجودة وتنمو وتحتاج فقط من يرعاها ويوجهها هذا دور المشروع والنخبة القائدة، ولا تنسوا أنه عندما سقطت مصر في 2013 سقطت باقي العواصم تباعا في ليبيا والسودان واليمن وسوريا ولبنان وتونس، وتوحش شيطان العرب وزاد التطبيع وأبيدت غزة.. في جملة واحدة يعلمها كل علماء الاستراتيجية: لا حل لفلسطين بل كامل المنطقة إلا عبر مصر.

 

استراتيجيات العمل للمشروع

يعتمد المشروع بشكل أساسي على استراتيجيتين أساسيتين:

الاستراتيجية الأولى: القوى الناعمة

القوى الناعمة بكل أشكالها وتجنب القوى الخشنة، لأن كل معطيات القوى الخشنة غير متوفرة وسيصبح العمل وفقها قتلا للمشروع في مهده، ففهم الهدف واستيعابه جيدا كاف لاستيعاب هذه النقطة.

الهدف هو التثوير والاستدعاء للشعب المصري ثم الشعوب العربية، وهو هدف لا يحتاج قوى خشنة وحتى إذا احتاجها في مرحلة ما فليس هذا نطاق عمل المشروع، وإلا سيتم سحقه منذ بدايته فضلا عن عزلته وسهولة اختراقه وتفخيخه.

في فقه الضعف أنت مطالب كما قلت سابقا بالتحرك داخل نطاقات المتاح والمسموح للوصول لأقصى نتيجة ممكنة، عندما تصل لأقصى نتيجة ممكنة ستحدث سنّة التدافع تلقائيا ويظهر القادة وترتفع الرايات ويلتف الناس حولها ويطور الناس وسائلهم وأدواتهم.

 

الاستراتيجية الثانية: حرب اللاعنف

هي كلمة السر التي يجب أن يعلمها الجميع لنجاح المشروع!! حرب اللاعنف مشروعة قانونا على الأقل في العالم الغربي، وهناك أكاديميات لتدريس مناهجها ووسائلها، حتى جامعة هارفارد الأمريكية تقوم بتدريس برنامج خاص لها، والنقطة الجوهرية التي يجب توضيحها في هذه الاستراتيجية أن الهدف المحوري من نشر هذه الاستراتيجية هو نشر ثقافة المقاومة واشتباك اللاعنف مع قوّات القمع.

غرس هذه الفكرة في عقول الناس -الاشتباك والمقاومة- وجعلها ثقافة منتشرة بينهم، سيحولهم من طاقة سلبية لإيجابية ويفتح لهم آفاقا وأبعادا مختلفة للإبداع وتطوير أدواتهم وقدراتهم، وبالتالي إذا كنت تعيش في دولة غربية أو لك قناة تبث من لندن مثلا فلن توجد لديك إشكاليات قانونية ولن يتم إغلاق القناة أو إلغاء القناة على اليوتيوب؛ لأنك تمارس تحريضا مشروعا على التظاهر بشكل سلمي باستخدام وسائل حرب اللاعنف.

هذه نقطة في غاية الأهمية -تأمين العاملين في المشروع- حتى تستطيع أن تشرك معك أكبر عدد ممكن من النخب المستهدفة، وفي ذات الوقت تقوم بأهم عملية تغييرية في المنطقة بأكملها، لاستعادة مصر ومن ثمّ فلسطين وباقي الوطن العربي.

من المهم كذلك التذكير بأنّ أي حراك محكوم عليه بالفشل إذا غاب عنه توظيف العلم والمتخصصين والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والأمن بكل أشكاله، والحروب النفسية وتقنيات التحكم والسيطرة. نحن في حرب عقول وأدمغة، تحتاج الأذكياء المتصفين بالدهاء والحكمة والتجرد في ذات الوقت.

 

ما هي نقطة الانطلاق؟

نقطة البداية المنطقية والعقلانية أن يتداعى قادة الفكر والرأي خاصة المختصين في التفكير والتخطيط الاستراتيجي من كل الجنسيات -وهذه مهمة - للتباحث والتشاور ووضع نواة للمشروع، ويتشارك معهم رجال المال والإدارة في وضعه داخل مشاريع تنفيذية على الأرض، ثم التشبيك مع الإعلاميين والمؤثرين وصناع المحتوى لكي يعملوا معا بشكل متناغم وفق خطة مدروسة لتحريض الناس على التظاهر السلمي واستخدام وسائل حرب اللاعنف من أجل الضغط على النظام المصري، والسقف الأعلى إزاحة السيسي والأدنى وقف الحرب على غزة وإدخال المساعدات كافة بلا شروط وإعادة الإعمار وكل ما يخدم القضية.

ما العمل إذا لم يحدث هذا التداعي للنخب القائدة؟

يجب على عامة الناس التحرك في مسارين متلازمين متوازيين؛ الأول، ممارسة الضغوط على هذه النخب لتتحرك إمّا بالتشجيع أو التقريع من خلال التواصل الدائم والمستمر بكل وسيلة وطريقة للقيام بواجبهم واستلام زمام المبادرة.

المسار الثاني، قيام عامة الناس بتنفيذ الاستراتيجيتين معا وهما تحريض الشعب المصري على التظاهر السلمي واستخدام وسائل حرب اللاعنف، ويجب أن يشترك الناس من المحيط إلى الخليج في هذا، وأنا على يقين أنه بإذن الله ستظهر آلاف الأفكار المبدعة والخلاقة في هذا الجانب الذي ستصيب الجميع بالدهشة وتعيد لنا الثقة في أنفسنا وقدرتنا.

لكن لا يمكن أن يكون هناك تحرك ناجح دون قيادة متجردة تصوّب البوصلة وتحدد المسار وتوزع الأدوار، وفي مرحلة ما تتفاوض وتساوم وتضغط؛ ثورة أو حراك بدون قيادة نخبوية ذكية يعني فوضى وفشل، فلا بد من السعي الحثيث والاستمرار لإيجاد القائد والنخبة المتميزة حوله، وهذه نقطة حرجة غير قابلة للتأجيل أو الاستبعاد.

نقطة هامة أخرى حتى لا يعتقد الناس أن أمثال هذه المشاريع خيالية، هذه المشاريع سهل وضعها بما يخدم الهدف المطلوب، ولكن النقطة الحرجة اللازمة هي النخب المتجردة التي تحدثت عنها كثيرا في بداية المقال السابق المشار إليه.

 

النخبة القائدة في عهد النبي

في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ورغم كونه النبي المؤيد من السماء ودعاؤه مستجاب، وقف أمامه جبريل يقول له:  ".. إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين" (متفق عليه).. هذا النبي ذاته هو الذي قال: "اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجُلين إليك، بأبي جهلٍ أو بعمرَ بن الخطاب"، أي أنّ الإسلام سيكون عزيزا قويا بوجود رجال أقوياء كعمر رضي الله عنه رغم وجود النبي بينهم!!

ونجد النبي حين مات عمه أبو طالب وزوجته خديجة رضي الله عنها حزن حزنا شديدا، حتّى سُميّ عام الحزن وقتها لأنه فقد السند ومن كان يحتمي بهم ويرتكن إليهم بعد الله.

لذلك عندما أقول إنّ علينا السعي الحثيث للبحث عن قائد ونخبة ممتازة تتحرك معه فليس هذا فلسفة فارغة، بل هي ركن أصيل في بناء الإسلام ودولته وفي نهوض الأمم والشعوب، فالإسلام، أعظم ثورة في التاريخ، بدأ بثلاثة: النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة وسيدنا أبي بكر، ثم تتابع العدد.

 

النخب القائدة عبر الثورات

الثورة الجزائرية قامت على يد اثنين وعشرين رجلا فقط لا غير، الثورة الأمريكية بدأت بـ56 شخصا وقعوا على إعلان الاستقلال عام 1776، وكان لذلك تأثير كبير في حشد المقاومة الشعبية، الثورة الروسية بقيادة لينين بدأت بلجنة البلاشفة الرئيسية التي قادت الثورة وكانت تتألف من حوالي 12-15 شخصا في البداية.

الثورة الكوبية بقيادة كاسترو وجيفارا بدأت بمجموعة صغيرة لا تزيد عن 82 رجلا في رحلة "غرانما" الشهيرة، الثورة الفيتنامية أو حرب التحرير بقيادة "هو تشي منه" قاد الحركة بشكل أساسي معه نحو 12 عضوا من الحزب الشيوعي الفيتنامي حتى تحقق النصر، وتم إنهاء الاحتلال الفرنسي ثم الأمريكي الذي كان أسوأ بكثير في تدميره ووحشيته من الكيان الصهيوني، حيث بلغ عدد الضحايا من الفيتناميين ما يقارب ثلاثة ملايين.

هذه الاستراتيجيات التي تحدثنا عنها تندرج تحتها استراتيجيات وأهداف كثيرة لا يتسع المقام لذكرها هنا، كما أنني أعلم أن هناك الكثير من الأسئلة قد تدور في ذهن قارئ هذا المقال وبعض الشبهات كذلك، فضلا عن التساؤلات التي قد ترد على هذا المقال وهي ما سنخصص لها مقالا مستقلا بإذن الله تعالى.

أمّا من اقتنع بالفكرة والمشروع فقد تحمل الأمانة وأصبح مسؤولا أمام الله على العمل على إنجاح الفكرة وبذل الغالي والنفيس في سبيلها، لأن إنقاذ فلسطين والأقصى هي فكرة مقدسة مشرفة لا يليق بها إلا رجال عقدوا بيعتهم مع الله وتجردوا من شهوات قلوبهم وفساد عقولهم، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وينتظرون موعود الله لهم وبهم.

فإذا وجدت نفسك من هؤلاء فاعلم أن النصر لا يتنزّل على الكسالى والخاملين ولا الجبناء والخائفين ولا الذين تعودوا رغد العيش ودعة الحياة، إنّها حياة واحدة وكرامة واحدة وموتة واحدة فاجعلها في سبيل الله.