يُعد معبر رفح الحدودي الرابط بين قطاع غزة ومصر المنفذ الحيوي الوحيد لسكان القطاع المحاصرين للتواصل مع العالم الخارجي. إلا أن هذا المعبر، بدلاً من أن يكون وسيلة لتخفيف معاناة سكان غزة، تحول إلى أداة بيد الأنظمة القمعية، وعلى رأسها نظام عبد الفتاح السيسي الذي استمر في إغلاق المعبر بصورة ممنهجة، مما يزيد من آلام السكان ويخدم أجندات سياسية إقليمية لا علاقة لها بمصالح الشعب الفلسطيني أو الأمن القومي المصري. منذ تولي السيسي السلطة بعد انقلاب عام 2013، شهدت رفح المصرية تحولات كارثية. بدلاً من أن يكون دور مصر داعمًا للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، استُخدمت مدينة رفح، وسكانها المصريون والفلسطينيون، كضحية لإجراءات تهدف لإرضاء إسرائيل والولايات المتحدة. فقد أقدم النظام على هدم منازل الآلاف من سكان رفح المصرية وترحيلهم قسريًا، بحجة محاربة الإرهاب، وإنشاء شريط عازل على الحدود يمتد لثمانية كيلومترات، كل ذلك تحت مظلة "حفظ الأمن" و"مكافحة الأنفاق". سياسات السيسي: خدمة لإسرائيل وحصار لأهل غزة الإجراءات التي اتخذها النظام المصري في رفح لم تكن إلا ذريعة لتعميق الحصار على غزة. إغراق الأنفاق بالمياه وتدميرها بشكل كامل كان جزءًا من استراتيجيات خنق القطاع الفلسطيني وإغلاق منافذ الإمدادات التي كانت تتيح لسكان غزة الحصول على احتياجاتهم الأساسية. ورغم أن الأنفاق كانت تعتبر غير قانونية، فإنها كانت الوسيلة الوحيدة التي تمكّن أهل غزة من كسر الحصار الظالم الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي منذ سيطرة حماس على القطاع في 2007. بدلاً من تقديم الدعم الإنساني والمعنوي للشعب الفلسطيني، يسعى نظام السيسي إلى تضييق الخناق عليه، وذلك تحت ذريعة الأمن القومي. إلا أن الحقيقة الواضحة هي أن هذه السياسات ليست إلا جزءًا من توافقات إقليمية تخدم إسرائيل وتضمن استمرار الاحتلال. محور فيلادلفيا: السيسي وإسرائيل في خندق واحد السيسي يواصل تبرير إغلاق معبر رفح وإجراءات تدمير الأنفاق على طول محور فيلادلفيا بذريعة "حماية الأمن القومي"، إلا أن هذه الذرائع تفقد مصداقيتها عندما ننظر إلى الإصرار الإسرائيلي على السيطرة على هذا المحور. محور فيلادلفيا الذي يفصل بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية، يُستخدم كأداة من قبل الاحتلال الإسرائيلي لمنع أي تواصل طبيعي بين غزة ومصر. بل إن نتنياهو يصر على استمرار الاحتلال على هذا المحور تحت ذريعة محاربة تهريب الأسلحة. لكن ما لا يذكره الإعلام الرسمي المصري والإسرائيلي، هو أن تدمير الأنفاق، وإنشاء المنطقة العازلة، لم يسهم إلا في زيادة عزلة سكان غزة وتعميق أزمتهم الإنسانية، بينما يستمر تهريب الأسلحة بطرق أخرى، بعيدًا عن الأنظار، لأن مقاومة الاحتلال لا تُهزم بتدمير الأنفاق. تقسيم رفح: جريمة مع سبق الإصرار رفح، المدينة التي كانت رمزًا للتواصل بين الشعب الفلسطيني والمصري، تعرضت لجريمة تقسيم قسري بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد. سكان رفح، الذين كانوا يعيشون كعائلة واحدة على جانبي الحدود، وجدوا أنفسهم منفصلين، محرومين من أراضيهم وممتلكاتهم. وما زاد الطين بلة هو قيام النظام المصري الحالي بترسيخ هذا الانقسام، بل والمساهمة في تعميقه، بإجراءات هدم المنازل وتشريد العائلات. أين المصلحة الوطنية المصرية؟ السؤال الذي يجب أن يُطرح هنا هو: كيف تخدم هذه السياسات الأمن القومي المصري؟ هل إغلاق معبر رفح وتدمير رفح المصرية حقًا يحمي مصر؟ أم أنه يخدم أجندات إسرائيلية وأمريكية تهدف إلى خنق المقاومة الفلسطينية، وتثبيت نظام السيسي في الحكم بدعم من القوى الدولية؟ الإصرار المصري على رفض أي وجود إسرائيلي في محور فيلادلفيا يبدو ظاهريًا موقفًا وطنيًا، ولكن عندما نُمعن النظر نجد أن السياسات المصرية تصب في خدمة المشروع الإسرائيلي، وتزيد من معاناة الفلسطينيين. هذا الموقف المزدوج يضع النظام المصري في خانة المتواطئ مع الاحتلال، بدلًا من أن يكون نصيرًا للقضية الفلسطينية كما كان يفترض أن يكون. ختاما ؛ معبر رفح ومحور فيلادلفيا هما شريان حياة وساحة معركة سياسية في آن واحد. وبينما يسعى الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة عليهما لتحقيق مصالحه الأمنية، يواصل النظام المصري اللعب على هذا الوتر، مستخدمًا المعبر كأداة ضغط على الفلسطينيين، وفي نفس الوقت إرضاءً للقوى الخارجية. وفي ظل هذه الظروف، يبقى السؤال: متى ستعود مصر لتكون الحاضنة الحقيقية للقضية الفلسطينية، وتفتح معبر رفح بشكل دائم، دون شروط سياسية تخدم الاحتلال؟