تحل علينا ذكرى نصر أكتوبر المجيد في ظل تحديات متزايدة تواجه السيادة المصرية، خاصة على الحدود الشرقية مع قطاع غزة. ورغم أن نصر أكتوبر 1973 يمثل إحدى أعظم صفحات التاريخ العسكري المصري، والذي أعاد جزءًا من الكرامة العربية باستعادة سيناء بعد سنوات من الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الظروف الحالية تثير تساؤلات حادة حول قدرة النظام المصري على حماية هذه السيادة. في الشهور الأخيرة، تصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية على المناطق الحدودية المصرية، خاصة في محور صلاح الدين ومنطقة فيلادلفيا في رفح، مما أدى إلى سقوط العديد من الجنود المصريين في حوادث غامضة ومثيرة للشكوك. هذه الحوادث تأتي وسط تصعيد غير مسبوق في الأوضاع على الحدود مع قطاع غزة، حيث تحاول إسرائيل فرض سيطرتها الأمنية وتدمير الأنفاق التي تعتبر شريان الحياة بالنسبة للفلسطينيين المحاصرين. ذكرى نصر أكتوبر: بين المجد والتراجع نصر أكتوبر كان انتصارًا للأمة المصرية والعربية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشكل لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة. لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل كان رمزًا لاستعادة الكرامة بعد نكسة 1967، ونجاح الجيش المصري في عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الذي اعتبره الإسرائيليون خط دفاعٍ منيع. في تلك اللحظة التاريخية، استعاد المصريون ثقتهم في قدراتهم وكرامتهم الوطنية. ومع ذلك، يبدو أن ذكرى هذا النصر تُستدعى اليوم وسط ظروف تعكس تراجعًا في قدرة الدولة المصرية على حماية حدودها والرد على الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة. فبينما يُحيي الشعب المصري ذكرى أكتوبر بكل فخر، يواجه الواقع الحالي صمتًا مريبًا من قبل النظام الحاكم برئاسة عبد الفتاح السيسي، الذي يُظهر تهاونًا غير مبرر تجاه تلك الانتهاكات المتزايدة. الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في الآونة الأخيرة، شهدت المناطق الحدودية مع قطاع غزة تصعيدًا خطيرًا من الجانب الإسرائيلي. القوات الإسرائيلية قامت بعمليات تجريف الأراضي في محور صلاح الدين، وهو ما يعتبر انتهاكًا مباشرًا للسيادة المصرية. كما شهدت المنطقة سقوط ضحايا من الجنود المصريين في حوادث غامضة على الحدود، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد ويضع النظام المصري في موقف ضعيف أمام الرأي العام. منطقة فيلادلفيا التي كانت تعد حاجزًا أمنيًا مهمًا بين مصر وقطاع غزة، أصبحت اليوم ساحة لانتهاكات إسرائيلية متكررة. الأنفاق التي تربط بين رفح المصرية والفلسطينية كانت دائمًا تحت مراقبة مشددة من قبل الجيش المصري، لكن إسرائيل قامت بتدمير العديد منها، مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الجنود المصريين العاملين في تلك المناطق. وعلى الرغم من هذه الاعتداءات المتواصلة، لم يتخذ النظام المصري خطوات جادة للرد على إسرائيل أو حتى توجيه رسالة واضحة تعبر عن رفض هذه الانتهاكات. بل إن العلاقات الأمنية بين القاهرة وتل أبيب تبدو في تصاعد، مما يعكس تراجعًا واضحًا في دور مصر التقليدي كقوة إقليمية تحمي حدودها وسيادتها. انبطاح النظام أمام إسرائيل تأتي هذه الانتهاكات في وقت يظهر فيه النظام المصري تهاونًا غير مسبوق تجاه حماية سيادة الدولة. فبدلاً من اتخاذ موقف حاسم لحماية الجنود المصريين، يبدو أن النظام يعتمد سياسة الصمت والتعاون الأمني مع إسرائيل. هذا التوجه يعكس تغيرًا جذريًا في سياسة مصر التي كانت تلعب دورًا رئيسيًا في دعم القضية الفلسطينية وحماية حدودها ضد أي تهديد خارجي. وبينما يتوقع الشعب المصري أن يكون الجيش على أهبة الاستعداد للدفاع عن كل شبر من الأراضي المصرية، يبدو أن الأولويات الحالية للنظام تتجه نحو الحفاظ على مصالحه الشخصية والإبقاء على تحالفاته مع القوى الإقليمية، حتى لو كان ذلك على حساب سيادة الوطن. إن هذا الانبطاح المستمر أمام إسرائيل يثير تساؤلات عديدة حول مستقبل الأمن القومي المصري، خاصة في ظل تزايد التهديدات الإسرائيلية. فبدلاً من الوقوف في وجه هذه التهديدات، يبدو أن النظام يسعى للحفاظ على استقراره الداخلي على حساب المصالح الوطنية. تحديات المستقبل: أين الحل؟ في ذكرى نصر أكتوبر، لا يزال المصريون يتذكرون كيف استطاع الجيش بدماء جنوده استعادة سيناء وحماية الحدود. ومع ذلك، يواجه الشعب اليوم تحديات جديدة، حيث تتعرض السيادة المصرية للانتهاكات دون أي رد فعل يليق بحجم هذه التهديدات. بينما كانت مصر قادرة في الماضي على استعادة أراضيها وحماية كرامتها الوطنية، تبدو اليوم ضعيفة أمام هيمنة إسرائيل على مناطق مثل محور فيلادلفيا وصلاح الدين. هذا الضعف يفتح الباب أمام تساؤلات ملحة حول مستقبل العلاقات المصرية-الإسرائيلية، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتزايدة على الحدود. لا يمكن للمصريين أن يحتفلوا بذكرى نصر أكتوبر وهم يشاهدون جنودهم يسقطون دون أن يكون هناك موقف حازم من الحكومة. على النظام المصري أن يدرك أن أي تهاون في حماية الحدود يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، ويجب أن يكون هناك رد فعل قوي يليق بتاريخ هذا الوطن وبدماء من سقطوا دفاعًا عنه.
في النهاية، يبقى الأمل في أن تعود مصر إلى دورها الريادي في حماية أمنها وسيادتها، وأن تستعيد هيبتها التي فقدتها في السنوات الأخيرة. حينها، ستكون ذكرى نصر أكتوبر ليست فقط ذكرى للتاريخ، بل دافعًا قويًا نحو مستقبل أفضل.