تشهد سوق العقارات في مصر اضطرابات شديدة نتيجة السياسات العشوائية التي يتبعها النظام الحاكم، مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار مواد البناء، وخاصة الحديد والأسمنت، وهما المكونان الأساسيان في صناعة الإنشاءات. هذه السياسات، التي تميزت بالاحتكار من قبل المؤسسة العسكرية وتوجهها نحو تصدير هذه المواد إلى الخارج، أحدثت شللًا في قطاع العقارات. وبينما يعتقد بعض الخبراء أن السوق قد تتجه نحو انهيار كارثي لأسعار الوحدات السكنية، يتوقع آخرون استمرار الارتفاعات نتيجة الظروف الاقتصادية الحالية. ركود وارتفاع غير مسبوق في الأسعار ارتفعت أسعار العقارات في مصر في الأعوام الأخيرة بشكل غير مسبوق نتيجة لزيادة تكاليف الإنتاج والتضخم، حيث ارتفعت أسعار مواد البناء، وعلى رأسها الحديد والأسمنت، بشكل كبير. هذا الارتفاع يعزى بشكل أساسي إلى احتكار المؤسسة العسكرية لسوق هذه المواد، وتوجه الحكومة إلى تصدير كميات كبيرة منها إلى الأسواق الخارجية مثل ليبيا ودول الجوار، ما أدى إلى نقص المعروض في السوق المحلية. هذا الارتفاع في الأسعار لم يتسبب فقط في تباطؤ قطاع العقارات، بل أدى إلى توقف بعض شركات المقاولات عن تنفيذ المشروعات نظرًا لعدم توفر المواد الأساسية مثل الأسمنت، الذي يشكل عصب المشروعات الكبرى. كما أن ارتفاع تكاليف الشحن نتيجة لقلة عدد شاحنات النقل المتاحة، بسبب استغلالها في تصدير البضائع إلى الخارج، ساهم في تفاقم الأزمة. فقاعة عقارية تلوح في الأفق؟ يرى بعض الخبراء أن مصر قد تكون على مشارف فقاعة عقارية قد تؤدي إلى انهيار أسعار الوحدات السكنية. الدكتور هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، حذر من أن أسعار العقارات في مصر قد تشهد تراجعًا كبيرًا في السنوات القادمة. ففي منشور له على صفحته على فيسبوك، توقع توفيق أن الوحدات السكنية المباعة في 2024 ستتراجع قيمتها بشكل كبير، مشيرًا إلى أن الفائدة المرتفعة التي تصل إلى 32% على الوحدات بالتقسيط ستتسبب في خسائر فادحة للمشترين. وأضاف توفيق أن التخفيض المتوقع في سعر الفائدة بحلول عام 2026 قد يؤدي إلى انخفاض أسعار العقارات إلى النصف، مما يعني أن الذين استثمروا في شراء وحدات سكنية سيواجهون خسائر كبيرة. هذا التحليل يعزز الفكرة بأن السوق العقارية في مصر قد تشهد انهيارًا في الأسعار، خاصة إذا استمرت السياسات الحالية في الضغط على العرض. استمرار التضخم وارتفاع الأسعار في المقابل، يرى بعض الخبراء أن أسعار العقارات ستستمر في الارتفاع نتيجة لعوامل اقتصادية داخلية وخارجية. أحمد عبد الله، عضو شعبة الاستثمار العقاري، يرى أن ارتفاع الأسعار الأخير مبرر بسبب التضخم العالمي الكبير الذي شهده عام 2023. وأوضح عبد الله أن ارتفاع تكلفة التمويل وزيادة أسعار الفائدة كانت من الأسباب الرئيسية التي دفعت الأسعار إلى الارتفاع. وأشار عبد الله إلى أن الطلب المستمر على العقارات، سواء من داخل مصر أو من المصريين المقيمين في الخارج، بالإضافة إلى الاستثمار العقاري الذي تقوم به بعض الشركات الأجنبية، سيؤدي إلى استقرار نسبي في السوق. وأضاف أن مصر بعيدة عن أي فقاعة عقارية بسبب وجود طلب حقيقي على السكن نتيجة للنمو السكاني والتوسع العمراني. أزمة إمدادات الأسمنت والحديد بينما تتضارب التوقعات حول مستقبل سوق العقارات، تواجه شركات المقاولات أزمة كبيرة في توفير مواد البناء الأساسية مثل الأسمنت والحديد. رئيس إحدى شركات المقاولات الكبرى في القطاع الخاص أكد أن شركته توقفت عن العمل في بعض المشروعات نظرًا لعدم توافر إمدادات الأسمنت. وأشار إلى أن أحد المصانع الكبرى قلل من إنتاجه بنسبة تزيد على 50% دون سبب واضح، مما أثر على استمرارية العمل في مواقع البناء. ويعود السبب الرئيسي في نقص مواد البناء إلى قلة عدد شاحنات النقل المتاحة في السوق، حيث استغلت الحكومة هذه الشاحنات في نقل الأسمنت والحديد إلى الأسواق الخارجية. هذا النقص أدى إلى تباطؤ كبير في تنفيذ المشروعات الكبرى مثل مشروعات الإسكان التي تقوم بها الشركات الكبيرة. مخاوف الشركات وتباطؤ المشروعات أكد مسؤول بشركة "ريدكون للتعمير" أن السوق تواجه أزمة حادة في نقل الخامات إلى مواقع المشروعات، حيث إن معظم الإنتاج المحلي موجه حاليًا إلى التصدير، مما يجعل توفير المواد اللازمة للبناء عملية بطيئة وصعبة. وأشار إلى أن مشروعات الإسكان في القاهرة، سواء في الشرق أو الغرب، تشهد تباطؤًا ملحوظًا نتيجة نقص المواد الأساسية مثل الأسمنت. آثار الأزمة على السوق العقارية تعكس هذه الأزمة اضطرابًا كبيرًا في السوق العقارية بمصر، وتؤثر بشكل مباشر على قدرة شركات المقاولات على استكمال مشروعاتها. ورغم أن إنتاج مصر من الأسمنت يكفي احتياجات السوق المحلية، فإن العوائق المتعلقة بالنقل واستيراد قطع الغيار بسبب نقص العملة الأجنبية زادت من تفاقم الوضع.
في هذا السياق، أشار محمد سامي سعد، رئيس الاتحاد المصري لمقاولي البناء والتشييد، إلى أن قطاع الإنشاءات يعاني بشكل كبير من هذه الأزمة، مؤكدًا أن نقص شاحنات النقل وخروج العديد منها من الخدمة بسبب تعذر استيراد قطع الغيار أثر بشكل مباشر على سير العمل في مواقع البناء. ختامًا: مستقبل غامض للسوق العقارية بينما يستمر الجدل حول مستقبل العقارات في مصر، يبقى الوضع الحالي محفوفًا بالمخاطر. فمن جهة، تلوح في الأفق مخاوف من انهيار محتمل للأسعار نتيجة الفقاعة العقارية، ومن جهة أخرى، يؤكد بعض الخبراء على استمرارية ارتفاع الأسعار بسبب الطلب المتزايد والتضخم. في كلتا الحالتين، تظل السياسات الاقتصادية العشوائية هي العامل الأكبر في تحديد مستقبل هذا القطاع الحيوي.