أثارت المعلومات التي تم الكشف عنها مؤخرًا حول قيام شركة نفطية محلية في شرق ليبيا بتصدير النفط إلى الخارج، رغم إغلاق الموانئ النفطية، ردود فعل وتساؤلات واسعة. تساءل الكثيرون عن تبعية هذه الشركة وكيفية تجاوزها الحصار النفطي، وما إذا كانت ذراعًا لقوات المشير خليفة حفتر وعائلته لبيع النفط بطرق موازية بعيدًا عن السلطات الرسمية.

تصدير النفط رغم الحصار
نقل موقع "أفريكا إنيرجي" عن مصادر وصفها بالموثوقة، أن شركة تدعى "أركنو أويل" تأسست في بنغازي العام الماضي، قامت بتصدير خمس شحنات من النفط خلال الأشهر الماضية، رغم إغلاقات الموانئ النفطية التي كانت معلنة. ووفقًا للموقع، فإن إجمالي الكميات المصدرة بلغ نحو 5 ملايين برميل من النفط، وأن جميع الشحنات تم إرسالها إلى الصين، مضيفًا أن الشركة تعتزم إرسال شحنتين أخريين قريبًا. وقدرت قيمة هذه الشحنات حتى الآن بنحو 240 مليون دولار.

اتهامات موجهة لحفتر وعائلته
في حين أكدت صحيفة "كوريري دي لاسيرا" الإيطالية أن تصدير النفط في منطقة شرق ليبيا لا يمكن أن يحدث دون موافقة ودعم المشير خليفة حفتر. واعتبرت أن السماح لشركة محلية حديثة بالتصدير، في ظل إغلاق الموانئ النفطية، يشير إلى تورط مباشر لعائلة حفتر في جني أموال من النفط الليبي عبر هذه الشركة.

هذا الاتهام جاء بالتوازي مع تقرير حديث لموقع "أويل برايس"، الذي أكد أن عائلة حفتر قد استفادت ماليًا بشكل كبير من خلال شركة "أركنو أويل" الخاصة، والتي سمح لها بتجاوز الحصار وتصدير النفط رغم إغلاق الحقول النفطية في ليبيا. أشار التقرير إلى أن الشركة تستعد لتصدير شحنة مليون برميل من النفط الخام إلى إيطاليا عبر شركة تجارة تركية، مما يثير التساؤلات حول تداخل المصالح بين تجار أنقرة وحفتر، رغم دعم تركيا السابق لحكومة الغرب الليبي.

النفوذ السياسي لشركة "أركنو أويل"
في حين يُعتبر تأسيس شركات نفطية محلية أمرًا معتادًا في الدول المنتجة للنفط، فإن ما يميز شركة "أركنو أويل" هو حداثتها وغموض ظروف تأسيسها. تأسست الشركة في بنغازي العام الماضي، لكنها تمكنت بسرعة من الحصول على عقود تصدير كميات كبيرة من النفط، وهو أمر نادر في ليبيا، حيث يتم تنظيم صادرات النفط عادة من خلال المؤسسة الوطنية للنفط.

الصحفي الليبي المتخصص في شؤون النفط، موسى تيهوساي، أكد أن "أركنو أويل" هي أول شركة خاصة ليبية تحصل على هذا الامتياز لتصدير النفط منذ إقرار قانون النفط في عام 1955. وأشار تيهوساي إلى أن النفوذ السياسي الذي تمتلكه الشركة شرق وغرب ليبيا مكّنها من العمل بشكل غير تقليدي، مستغلة الثغرات القانونية في قانون النفط.

إغلاق الموانئ والآثار الاقتصادية
كان لإغلاق الموانئ النفطية تأثير كبير على الاقتصاد الليبي، حيث فقدت ليبيا ملايين الدولارات نتيجة توقف صادرات النفط. تم إغلاق الموانئ وحقول النفط في شرق ليبيا مؤخرًا احتجاجًا على تغيير إدارة المصرف المركزي الليبي، مما أدى إلى تعطيل الصادرات بشكل كامل في بعض المناطق.
وتسيطر قوات حفتر على معظم الحقول والموانئ النفطية في منطقة الهلال النفطي والبريقة ومدينة طبرق، بينما تسيطر حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس على ميناءين نفطيين فقط وهما الزاوية ومليتة، بالإضافة إلى حقلين بحريين للنفط والغاز.

"أركنو أويل" بين النفوذ المالي والسياسي
وفقًا لوثائق تتبع السفن، فإن شركة "أركنو أويل" قامت في 10 يوليو 2024 بتصدير مليون برميل من خام مزيج سرير/المسلة من محطة مرسى الحريقة النفطية الليبية إلى الصين عبر ناقلة تابعة لشركة التجارة الصينية "يونيبك". وأظهرت الوثائق أن المؤسسة الوطنية للنفط خصصت حصة من إنتاج حقلي السرير والمسلة لشركة "أركنو"، مقابل قيام الشركة بأعمال التطوير في آبار الحقلين.

لكن وفقًا لتصريحات تيهوساي، فإن الشركة لا تملك المعدات اللازمة لاستخراج النفط، مما يثير تساؤلات حول كيفية حصولها على عقود تصدير ضخمة دون تجهيزات فعلية. يُعتقد أن الشركة استفادت من الحقول الجاهزة التي تم تطويرها من قبل شركات أخرى، مما يشير إلى دعم سياسي كبير مكنها من تجاوز القواعد المعمول بها.

التساؤلات حول أهداف حفتر
تثير هذه التطورات تساؤلات حول أهداف حفتر من السماح لشركة محلية حديثة بتصدير كميات كبيرة من النفط الآن. تتزامن هذه الخطوة مع تصاعد التوترات الداخلية في ليبيا واستمرار الانقسام بين الشرق والغرب. قد يكون حفتر يسعى إلى زيادة موارده المالية لتأمين موقعه السياسي والعسكري في شرق ليبيا.

كما أن تورط حفتر في بيع النفط بطرق موازية قد يجعله عرضة للمساءلة الدولية. فمنذ عام 2011، تخضع ليبيا لمراقبة مشددة بشأن إدارة صادرات النفط، حيث يُعتبر النفط الليبي موردًا سياديًا يجب أن يعود بالنفع على جميع الليبيين. ومن هنا، فإن أي تجاوزات أو صفقات موازية يمكن أن تُعد انتهاكًا للقوانين الدولية.
ختاما ؛ تسلط قضية "أركنو أويل" الضوء على التداخل بين المصالح السياسية والنفطية في ليبيا، في ظل استمرار الانقسامات الداخلية. يبدو أن الشركة قد استفادت من دعم قوات حفتر لتجاوز القيود المفروضة على تصدير النفط، مما أثار شكوكًا حول شرعية عملياتها وأهدافها. في ظل هذه التطورات، يبقى مستقبل النفط الليبي مرهونًا بالتوازن بين الأطراف المتنافسة، وقد تؤدي هذه الأنشطة إلى مزيد من التداعيات السياسية والاقتصادية.