شهدت مصر خلال العامين الماضي والحالي موجة من الاستحواذات الإماراتية على الشركات المصرية، وخاصة في قطاع النقل البحري، مما يثير تساؤلات حول التأثيرات الاقتصادية والسيادية لهذا التوسع الإماراتي المتزايد في المجالات الاستراتيجية بمصر.

فبينما تعاني البلاد من أزمات اقتصادية متفاقمة، يبدو أن الاستثمارات الإماراتية تجد فيها فرصاً لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي، من خلال السيطرة على موانئ وشركات حيوية.

نواتوم تستحوذ على حصة الأغلبية في شركة "سفينة" المصرية

أحد أبرز هذه الصفقات كان استحواذ شركة "نواتوم"، التابعة لمجموعة "موانئ أبو ظبي"، على حصة الأغلبية في شركة "سفينة لخدمات الشحن" المصرية، وهي إحدى الشركات الرائدة في مجال خدمات الشحن البحري في مصر.

تعتبر هذه الخطوة جزءاً من استراتيجية أوسع لمجموعة موانئ أبو ظبي لتوسيع وجودها في السوق المصري، الذي يُعتبر محورياً في قطاع النقل البحري إقليمياً وعالمياً.

يمثل هذا الاستحواذ نقطة تحول في السيطرة الإماراتية على المرافق الاستراتيجية في مصر، حيث تمكنت مجموعة "موانئ أبو ظبي" من زيادة نفوذها في مجال النقل البحري من خلال إدارة وتشغيل العديد من الموانئ المصرية الرئيسية.

اتفاقيات إدارة وتشغيل موانئ بحرية في مصر

في يوليو الماضي، وقعت وزارة النقل المصرية عقوداً أولية مع مجموعة "موانئ أبو ظبي" الإماراتية لتولي إدارة وتشغيل رصيفين بحريين في ميناء السخنة لمدة 30 عاماً. يمتد الأول بطول 1060 متراً ويخصص لدحرجة السيارات، فيما يستقبل الثاني سفن الكروز السياحية بأطوال تصل إلى 500 متر، كما يتضمن الاتفاق إنشاء ساحات تداول بمساحة 930 ألف متر مربع.

وفي بداية العام الجاري، تم توقيع اتفاقية لتطوير وإدارة وتشغيل وصيانة ثلاث محطات ركاب سياحية في موانئ سفاجا والغردقة وشرم الشيخ لمدة 15 عاماً قابلة للتجديد، مما يعزز من دور المجموعة الإماراتية في تشغيل المرافق الحيوية المرتبطة بالسياحة والنقل البحري في مصر.

محطة متعددة الأغراض في ميناء سفاجا

أحد أبرز المشروعات التي تنفذها المجموعة الإماراتية هو مشروع تطوير وإدارة محطة متعددة الأغراض في ميناء سفاجا.

تسلمت مجموعة موانئ أبو ظبي المحطة نهاية الربع الأول من العام الجاري، وهي محطة تمتد على أطوال أرصفة تصل إلى 1100 متر بعمق 17 متراً، وتضم ساحة متصلة بالمحطة تبلغ مساحتها 810 آلاف متر مربع.

تمتد الاتفاقية بين الجانبين لمدة 30 عاماً، ومن المتوقع أن تشمل استثمارات تصل إلى 200 مليون دولار لتطوير المحطة، بما يمكنها من مناولة 5 ملايين طن من البضائع العامة والجافة، ومليون طن من البضائع السائلة، و450 ألف حاوية، و50 ألف مركبة.

هذا التطوير يهدف إلى جعل الميناء واحداً من أهم الموانئ في منطقة البحر الأحمر.

الاستحواذ الإماراتي في قطاع العقارات المصري

لا يقتصر التوسع الإماراتي في مصر على قطاع النقل البحري فقط، بل يمتد ليشمل قطاع العقارات أيضاً.

في فبراير الماضي، وقعت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وشركة "يو دي سي" الإماراتية اتفاقاً لتخصيص قطعة أرض مساحتها 157 فداناً في منطقة حدائق الأندلس بالقاهرة الجديدة، لإقامة مشروع عمراني متكامل يتضمن وحدات سكنية وإدارية وتجارية وترفيهية.

وأوضح وزير الإسكان المصري، عاصم الجزار، أن المشروع الذي يتم تنفيذه بالتعاون مع شركة "الكازار"، سيستغرق 8 سنوات لإتمامه.

ويعكس هذا الاتفاق اهتمام الشركات الإماراتية بالاستثمار في السوق العقاري المصري، الذي يشهد إقبالاً متزايداً رغم التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد.

التأثيرات الاقتصادية والسياسية للاستحواذات الإماراتية

يأتي هذا التوسع الإماراتي في وقت تعاني فيه مصر من أزمات اقتصادية حادة، حيث يشكل الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية أحد الحلول التي تتبناها الحكومة لتخفيف الضغط على الموازنة العامة.

إلا أن هذا الاتجاه يثير مخاوف حول التأثيرات السيادية، لا سيما أن معظم هذه الاستثمارات تتم في قطاعات حيوية مثل النقل البحري والعقارات.

تعتبر الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لمصر في المنطقة، والدولة الأولى من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السوق المصري بنسبة 29%. 

ومع ذلك، فإن التوسع الكبير في الاستثمارات الإماراتية، خاصة في المجالات الاستراتيجية، يطرح تساؤلات حول مدى تأثير هذه الاستثمارات على القرار الاقتصادي والسياسي المصري.

من جهة، يمكن النظر إلى هذا التوسع باعتباره دعماً للاقتصاد المصري المتعثر، من خلال توفير استثمارات كبيرة وفرص عمل جديدة.

لكن من جهة أخرى، قد يؤدي الاعتماد المتزايد على الاستثمارات الإماراتية إلى تفاقم مشكلة التبعية الاقتصادية والسياسية، ما يضعف من قدرة مصر على اتخاذ قراراتها بشكل مستقل.
يتطلب هذا الواقع الجديد مزيداً من الشفافية والوضوح من قبل الحكومة المصرية فيما يتعلق بشروط هذه الاتفاقيات ومدى توافقها مع المصلحة الوطنية.

فمع تزايد النفوذ الإماراتي في قطاعات حيوية، يصبح من الضروري ضمان أن تكون هذه الاستثمارات داعمة للتنمية الاقتصادية دون المساس بالسيادة الوطنية.

ختاما ؛ إن غزو موانئ أبو ظبي للشركات المصرية الرائدة يعكس استراتيجية توسعية تهدف إلى تعزيز السيطرة الإماراتية على القطاعات الحيوية في مصر، وخاصة في مجال النقل البحري.

وبينما توفر هذه الاستثمارات فرصة لتخفيف الأزمات الاقتصادية التي تواجه البلاد، فإنها تثير مخاوف بشأن السيادة الوطنية ومدى تأثير هذه الاستثمارات على القرار السياسي والاقتصادي المصري.