مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، يواجه الاقتصاد الأمريكي تحديات كبيرة قد تدفعه إلى حافة الركود. فقد كشف تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" أن فترة الازدهار التي شهدتها الولايات المتحدة في عام 2023 قد انتهت، وأن الوضع الاقتصادي الحالي بات هشاً ومقلقاً. ووفقاً للكاتبة "هيذر لونج"، فإن النمو الاقتصادي آخذ في التراجع، ما يثير تساؤلات حول قدرة الاقتصاد الأمريكي على الصمود في وجه التحديات المتزايدة. تراجع النمو الاقتصادي في عام 2023، كان الاقتصاد الأمريكي ينمو بوتيرة قوية، مدفوعاً بزيادة في الإنفاق الاستهلاكي وارتفاع معدلات التوظيف. ولكن مع دخول عام 2024، بدأت مؤشرات التباطؤ تظهر بوضوح. المستهلكون الأمريكيون، الذين كانوا ينفقون بثقة في السابق، أصبحوا أكثر حذراً في نفقاتهم، مفضلين البحث عن القيمة الحقيقية بدلاً من التفاخر بما يمتلكون. هذا التغير في السلوك يعكس حالة القلق المتزايدة بشأن مستقبل الاقتصاد. من جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن قادة الأعمال بدأوا يتوخون الحذر، ما أدى إلى تباطؤ أو توقف التوظيف في العديد من الصناعات. هذا التباطؤ يعكس عدم اليقين بشأن استدامة النمو الاقتصادي في المستقبل القريب. وتحدثت "لونج" عن أن هذا الحذر قد يؤدي إلى تقليص الإنفاق الاستثماري للشركات، وهو ما يعمّق التحديات التي تواجه الاقتصاد. ارتفاع البطالة تقرير الوظائف الأخير لشهر أغسطس، الذي صدر في خضم هذه التحديات، كشف عن صورة قاتمة لسوق العمل. فقد جاء التوظيف أضعف من المتوقع، وتمت مراجعة أرقام نمو الوظائف لشهري يونيو ويوليو بتخفيض كبير. كما شهدت معدلات البطالة ارتفاعاً مطرداً منذ بداية العام، مما يعني أن هناك حالياً مليون أمريكي عاطل عن العمل أكثر مما كان عليه الحال في الصيف الماضي. إن استمرار عمليات تسريح العمال يشكل تهديداً خطيراً، حيث قد يؤدي ذلك إلى تقليص الأفراد والشركات لنفقاتهم بشكل أكبر. ومع تراجع الإنفاق، قد يتسبب ذلك في حلقة مفرغة من تخفيضات الوظائف والانكماش الاقتصادي، مما يزيد من احتمالية دخول الولايات المتحدة في حالة ركود. هذا الوضع يثير قلقاً متزايداً بين الاقتصاديين والمحللين، الذين يحذرون من أن الاقتصاد الأمريكي قد يكون على حافة الهاوية. في ظل هذه التحديات، يبرز دور الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأمريكي) كعامل حاسم في منع دخول الاقتصاد الأمريكي في ركود. ويرى خبراء أن الاحتياطي الفدرالي قد يكون بحاجة إلى اتخاذ خطوات فعالة للحفاظ على استقرار الاقتصاد، ومن أهم هذه الخطوات خفض أسعار الفائدة بشكل حاسم. حالياً، يبلغ سعر الفائدة القياسي للاحتياطي الفدرالي حوالي 5.5%، وهو أعلى مستوى له منذ عقدين. هذا الارتفاع جاء في إطار جهود الاحتياطي الفدرالي لمواجهة التضخم المتزايد. ولكن مع تزايد القلق بشأن سوق العمل وتراجع التوظيف، بات من الضروري أن يعيد الاحتياطي الفدرالي توجيه اهتمامه نحو الحفاظ على استقرار سوق العمل، ومنع تسريح العمال على نطاق واسع. التوقعات المستقبلية تتوقع الكاتبة "هيذر لونج" أن يقوم الاحتياطي الفدرالي بخفض متواضع في أسعار الفائدة، ربما بمقدار 25 نقطة أساس. ومع ذلك، حذرت من أن هذا الخفض قد لا يكون كافياً لمعالجة التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد. وتعتقد أن الاحتياطي الفدرالي بحاجة إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة للتصدي لمخاطر الركود. من شأن خفض أكبر في أسعار الفائدة أن يرسل إشارة قوية للأسواق والمستهلكين بأن الاحتياطي الفدرالي جاد في معالجة الأزمة. هذا الإجراء قد يساعد في استعادة الثقة بسرعة، ويحفز الشركات على التوظيف والاستثمار بشكل أكبر. كما سيعزز هذا الخفض من قدرة الاقتصاد الأمريكي على تجنب الركود في الفترة المقبلة. على الرغم من أن رئيس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، لا يفضل التفكير في السياسة عند اتخاذ قراراته، إلا أن التوقيت يلعب دوراً مهماً. فالاجتماع المقبل للاحتياطي الفدرالي لتحديد سعر الفائدة سيكون في السابع من نوفمبر، أي بعد يومين فقط من يوم الانتخابات. هذا التزامن يضيف طبقة إضافية من التعقيد للقرار الاقتصادي، حيث ستكون كل الأنظار متجهة نحو كيفية تأثير قرارات الفدرالي على النتائج الانتخابية. ختاما ؛ في ضوء هذه التطورات، يبقى الاقتصاد الأمريكي في وضع حرج، مع تزايد المخاوف من دخول حالة ركود في الأشهر المقبلة. الأمل معقود على الاحتياطي الفدرالي لاتخاذ إجراءات حاسمة للحفاظ على استقرار الاقتصاد، خاصة في ظل الظروف السياسية المعقدة المحيطة بالانتخابات الرئاسية. ومع استمرار تراجع التوظيف والنمو الاقتصادي، يبقى السؤال حول ما إذا كان الاقتصاد الأمريكي سيتمكن من تفادي الركود قبيل الانتخابات المقبلة.

