وسط عشرات القرارات الصادمة بالتفريط بممتلكات المصريين والأصول العامة والشركات الحكومية طوال السنوات الماضية، صُعق المصريون من إعلان حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، عن تفريط جديد يطال هذه المرة مطارات البلاد.

وزير الطيران المدني المصري سامح الحفني، خلال لقائه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الاثنين الماضي، ومن قلب العاصمة الصيفية للحكومة بمدينة العلمين بالساحل الشمالي، أعلن عن التوجه نحو طرح وإدارة وتشغيل المطارات المصرية لشركات أجنبية، وإنشاء مناطق استثمارية حولها، بدعوى تعظيم عوائد المطارات، ورفع الطاقة الاستيعابية لها.

حديث الوزير، ورئيس الوزراء، يأتي تنفيذا لتوجهات حكومية مطروحة في آذار/ مارس الماضي، أعلنت حينها عن دعوة أهم وأكبر الشركات العالمية الاستشارية لوضع خطة برؤية متكاملة لعملية الطرح لإدارة المطارات، ومزايدة عالمية يديرها استشاري دولي ذو خبرة كبيرة، لطرح إدارة المطارات المصرية على القطاع الخاص، بإدراجها في البورصة، أو بيع حصة منها، أو عقد شراكة أو حق انتفاع لأي من المستثمرين.
وفي التصريحات التي نشرها مجلس الوزراء على صفحته بـ"فيسبوك"، الاثنين الماضي، وتلك التي صدرت قبل 5 أشهر لم يتم تحديد عدد المطارات التي سيتم طرحها، وما إذا كانت ستشمل مطارات القاهرة وبرج العرب وشرم الشيخ والغردقة الأهم والأقدم، أم مطارات العاصمة الإدارية والعلمين الجديدين.

لكن الوزير، زعم أن خطته بطرح وإدارة وتشغيل المطارات عبر شركات أجنبية تستهدف الوصول بالطاقة الاستيعابية للمطارات إلى 72.2 مليون راكب سنويا بنهاية عام 2025 مقارنة بـ 66.27 مليون راكب نهاية 2023.

وأشار إلى أن وزارته تعمل على تعزيز الشـراكات الإستراتيجية لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لقطاع الطيران المدني، بإنشاء مناطق استثمارية حول المطارات.
"حشد 20 شركة.. وتسعير الأصول.. و32 مطارا بالقائمة"
ويبدو أن التمهيد للأمر بدأ في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حين أعلنت حكومة السيسي، عن توجهها لطرح إدارة وتشغيل بعض مطاراتها وموانئها البحرية والجافة ومشروعات النقل البري بها على كبرى الشركات العالمية العاملة في البلاد، في خبر حذر اقتصاديون وخبراء من تأثيره الخطير على اقتصاد البلاد المتداعي وعلى الأمن القومي المصري.

حينها التقى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير النقل كامل الوزير، بممثلي 20 شركة من كبريات الشركات العالمية المتخصصة بمجالات النقل واللوجستيات والملاحة البحرية، وبينها الأمريكية، والصينية، والروسية، والألمانية، والفرنسية، والإسبانية، والإماراتية، والمجرية، والدنماركية، والنمساوية، والتشيكية، والمجرية.

شارك بالاجتماع وقتها، مندوبو شركات "سيمنز" العالمية، وموانئ "هاتشيسون يورب"، و"ألستوم"، و"موانئ دبي العالمية"، و"موانئ أبوظبي"، و"ترانس ماش هولندج"، و"وابتك"، و"MSC"، ومجموعة "تاليس"، و"يورو جيت"، و"أفيك"، و"هاباج لويد"، و"بلاسر وتيريور"، و"تالجو"، و"سكك حديد ألمانيا"، و"كاف"، و"سكودا"، و"كول واي"، و"جانز مافاج انترناشيونال".

وفي آذار/ مارس الماضي، وإثر قرار حكومي بضغط من صندوق النقد الدولي، لتحرير سعر الصرف في مصر، قام وزير الطيران المدنى السابق، محمد عباس حلمي، بإعادة تسعير أصول الشركة "المصرية القابضة للمطارات والملاحة الجوية"، استعدادا لطرحها على القطاع الخاص.

حلمي، أعلن حينها تحديد رأسمال الشركة "المرخص به" بـ30 مليار جنيه، كما قرر زيادة رأس المال "المُصدَّر" و"المدفوع" إلى 10 مليارات و370 مليون جنيها، بعد أن كان 9 مليارات و630 مليون جنيها، العام الماضي.

وتضم الشركة القابضة للمطارات 6 شركات هي: "ميناء القاهرة الجوي" وتدير مطار القاهرة، و"المصرية للمطارات"، وتدير 26 مطارا محليا، و"الوطنية لخدمات الملاحة الجوية"، و"تكنولوجيا معلومات الطيران"، و"Aerotel" للفنادق والخدمات السياحية والترفيهية والعلاجية، و"Aero Sport" للخدمات الرياضية والترفيهية.

وحدد وزير الطيران السابق، رأسمال شركة "ميناء القاهرة الجوي" المملوكة بالكامل للشركة القابضة، "المرخص" عند 20 مليار جنيه، و"المصدر" و"المدفوع" عند 4 مليارات و700 مليون جنيه، وفق ما نشرته جريدة "الوقائع المصرية".

ويعني رأسمال الشركة المرخص أقصى قيمة يمكن أن يصل إليها رأسمال الشركة، فيما يمثل رأس المال "المصدر" و"المدفوع" قيمة الأصول والأموال الموجودة بالشركة.

وفي مصر نحو 17 مطارا مدنيا دوليا، هي: "القاهرة" بالعاصمة المصرية، و"سفنكس" بالجيزة، و"برج العرب" بالإسكندرية، و"مرسى مطروح"، شمال غرب، و"شرم الشيخ" و"طابا" و"سانت كاترين" بجنوب سيناء، و"العريش" و"البردويل" بشمال سيناء، و"الغردقة" و"مرسى علم" بالبحر الأحمر -تديره شركة كويتية-، و"أسيوط" و"الأقصر" و"سوهاج" و"أسوان" بصعيد مصر، و"العلمين" بمرسى مطروح، و"العاصمة الإدارية".
بجانب نحو 15 مطار مدني داخلي، مثل "حلوان" و"ألماظة" بالقاهرة، "إمبابة" و"السادس من أكتوبر "بالجيزة، و"شرق العوينات" بالصحراء الغربية، و"أبوسمبل" جنوب مصر، و"الجورة" بشمال سيناء، و"الطور" و"النقب" بجنوب سيناء، و"بورسعيد" شمال شرق، و"الوادي الجديد" و"الداخلة" و"الخارجة" بالصحراء الغربية، و"رأس غارب" و"أبو رديس" بالبحر الأحمر.
"اشتراطات النقد الدولي"
اللافت هنا أن حديث طرح وإدارة وتشغيل المطارات المصرية عبر شركات أجنبية رغم أنها تمثل نقاط استراتيجية التفريط فيها يهدد الأمن القومي المصري، يأتي متزامنا مع تمرير صندوق النقد الدولي الاثنين، المراجعة الثالثة للاقتصاد المصري في إطار تمويل بقيمة 8 مليارات دولار للقاهرة، وتمرير شريحة مالية بقيمة 820 مليون دولار .

ويأتي ذلك الحديث إثر إعلان صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، اشتراطاته بشأن الاقتصاد المصري لتمرير 5 شرائح متبقية من قرض المليارات الثمانية، والذي تحل مراجعته الرابعة في أيلول/ سبتمبر المقبل، ويتبعها حصول مصر على 1.3 مليار دولار.

إحدى أخطر اشتراطات المؤسسة الدولية لتمرير باقي شرائح وفق مراقبين، هي تخارج الدولة من العديد من القطاعات التي تعمل فيها منذ عقود وطرح الشركات العامة على القطاع الخاص الأجنبي والمستثمرين الاستراتيجيين.

والثلاثاء، قالت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر، ويفانا فلادكوفا هولار، إن "الصندوق يولي اهتماما لتسريع تنفيذ سياسة ملكية الدولة"، مؤكدة أن "مصر بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات الهيكلية لزيادة مشاركة القطاع الخاص".

ورغم ما تم بيعه من أصول وشركات عامة مصرية، في ملف يثير الجدل والمخاوف، وبرغم ما أعلنت حكومة القاهرة عن طرحه من أصول تعدت 32 شركة عامة في شباط/ فبراير 2023، إلا أن الصندوق الدولي، يبدو غير مقتنع بهذا الرقم ولن يكتفي بهذا القدر من التفريط في الأصول العامة.

وهو الوضع الذي عبرت عنه المسؤولة في الصندوق بقولها: "رغم أن هناك جهدا تبذله الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج بيع الأصول، إلا أننا لا نزال نرى تباطؤا واضحا في خطط التخارج من الأصول المملوكة للدولة".

"لهذا وجب التفريط"
ورغم ضغوط الصندوق، ومع أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أعلن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، في وجود شركات عاملة في النقل والخدمات اللوجستية، نية حكومته طرح إدارة وتشغيل المطارات أمام القطاع الخاص المحلي والأجنبي، ومع إعلان وزير الطيران المدني السابق، في شباط/ فبراير الماضي، عن مزايدة عالمية قريبة لإدارة وتشغيل المطارات، إلا أن الأمر لم يدخل حيز التنفيذ.

لكن بيان صندوق النقد الدولي عقب تمرير المراجعة الثالثة، وتأكيد المسؤولة به على ضرورة تنفيذ "وثيقة ملكية الدولة" الصادرة في 2022، وتخارج الحكومة من قطاعات عدة لصالح القطاع الخاص المحلي والأجنبي، إلى جانب حاجة مصر الشديدة لتمرير الشرائح الخمسة المتبقية من قرض الصندوق، قد يدفعانها إلى التفريط بمطاراتها هذه المرة، بحسب مراقبين.

كما أنه من غير المستبعد التفريط في المطارات المصرية حتى بعيدا عن اشتراطات صندوق النقد الدولي على مصر، بل إنه أمر يقترب من التحقيق وفق سياسية رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، في التفريط في الأصول المصرية بداية من جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية عام 2016، وحتى صفقة "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي مع الإمارات، في آذار/ مارس الماضي.

بل إن مصر في ظل حكم السيسي، وخلال فترة وزير النقل العسكري الفريق كامل الوزير، تواصل التفريط في أهم موانئ البلد العربي الأفريقي صاحب الموقع الاستراتيجي وسط العالم القديم، ومنح امتيازها لشركات الإمارات وسط تسهيلات مالية واستثناءات إدارية ومخالفات قانونية، في وضع يعيد وفق مراقبين ما عُرف تاريخيا بالامتيازات الأجنبية في مصر بالقرن الـ19.