أثارت دعوات حكومية إلى إلغاء الدعم السلعي في مصر وتحويله إلى دعم نقدي، انقساما بين خبراء الاقتصاد والسياسيين، بينما أثارت موجة من الغضب لدى الأغلبية الشعبية، التي تعتبر الدعم العيني المتراجع في القيمة والكمية، الحبل السري الذي يربطها بحكومات تقبض على السلطة وفق معادلة تضمن لهم توافر الخبز وقليلا من الخدمات. 
تدعو قيادات حزبية ومراكز بحثية الحكومة إلى التروّي، خشية أن يدفع النظام المقترح إلى كوارث اجتماعية، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وارتفاع الأسعار والتضخم وتراجع دخل الأفراد. وعد رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، في تصريحات صحافية سابقة، الفئات الأكثر فقرا وتهميشا بأنهم سيشهدون طفرة وتحسنا ملموسا في أحوالهم المعيشية خلال الفترة المقبلة، قائلا للشعب: "لقد صبرتَ كثيرا وتحملت كثيرا، وأرجو أن تتأكد أنه مضى الكثير ولم يبق إلا القليل". 
دعا مدبولي لجان الحوار الوطني إلى مناقشة قضية الدعم بين العيني والنقدي، في وقت تسرع الأجهزة الإدارية الخطى نحو إلغاء الدعم العيني. 
الرواية الرسمية حول الدعم
يسوّق الإعلام الرسمي لتغيير نظام الدعم العيني إلى نقدي، عبر وسائل الإعلام المتعددة التي تسيطر عليها الأجهزة الأمنية، بما يعكس توجها عاما، سيجري تنفيذه وفق رؤية مبيتة، من دون الحاجة إلى إجراء حوار مجتمعي موسع. تشير التقارير الرسمية إلى أن الدعم بدأ في مصر أثناء الحرب العالمية الأولي التي أثرت على خطوط الإمداد للسلع من الخارج، واضطرت الحكومات إلى فرضه على عدد محدود من السلع، للتخفيف من "أعباء الحرب"، وتكرر الأمر خلال الحرب العالمية الثانية، إلى أن بدأ الرئيسي السابق جمال عبدالناصر سياسات الاشتراكية، حيث توسع في فرضه على قطاعات الصحة والتعليم والإسكان، بما دفع إلى "تضخّم فاتورة الدعم على مر السنوات".
اعتبر الإعلام الحكومي مناقشاتهم للقضية بمثابة استشراف رؤية المجتمع حول مستقبل الدعم، بينما تدلي معظم الشخصيات بأقوال تدعم سرعة التوجه نحو الدعم النقدي.
وبدأت الحكومة المصرية التحول في عملية الدعم، عبر مد شبكة الحماية الاجتماعية للأسر المعيلة وشديدة الفقر، تحت وصاية برنامج "تكافل وكرامة". تحولت الحكومة إلى نظام الدعم السلعي المشروط بسقف مالي وعدد أرغفة خبز لكل فرد شهريا. تبلغ حصة الدعم الشهري للفرد من بين 63 مليون نسمة يحصلون على الدعم السلعي، 50 جنيها لكل شخص، بحد أقصى 4 أفراد لكل أسرة، و150 رغيفا بسعر 20 قرشا للرغيف. وتصل فاتورة السلع التموينية شهريا إلى نحو 4 مليارات جنيه، حسب بيانات حكومية. 
وفقد الجنيه ثلثي قيمته، خلال العامين الأخيرين، حيث ارتفع الدولار إلى نحو 48 جنيها، من مستوى 17.5 جنيها، بما دفع إلى موجات تضخمية تاريخية وصلت في خريف عام 2023 إلى 40.5%. 
في مفارقة مع رغبة البنك المركزي في كبح التضخم عند مستويات أقل من 25%، يتوقع خبراء أن يصل معدل التضخم إلى 32% بنهاية العام، مدفوعا بزيادة أسعار الوقود والكهرباء والسلع الأساسية، بما يشير إلى صعود التضخم إلى معدلات مرتفعة، تزيد من آلام المواطنين، مع تراجع العملة وزيادة النفقات الموجهة لسداد أعباء الدين الخارجي، حيث زاد في ظل حكومات مدبولي "على مدار 6 سنوات، من 90 مليار دولار إلى 168 مليار دولار نهاية 2023، بالإضافة إلى تراكم الديون المحلية التي أصبحت تمتص نحو 1.1 تريليون جنيه، بما يعادل 62% من إيرادات الموازنة العامة، و37.4% من إجمالي الإنفاق الحكومي.  
تشكيك في صحة الأرقام الحكومية
يشكك محللون في صحة الأرقام التي تذكرها الحكومة حول قيمة الدعم، مشيرين إلى تراجع أوزان الرغيف من 150 غراما إلى 130 غراما ليصل إلى 90 غراما رسميا، بينما ينخفض إلى نحو 65 غراما في أفران الخبز المدعم. يؤكد محللون أن تكلفة رغيف الخبز بلغت أقل من جنيه في ميزانية 2023-2024، بينما يذكر رئيس الحكومة ارتفاعها إلى 125 قرشا، ليزيد من قيمة الدعم الشامل للخبز إلى 120 مليار جنيه، بينما لم تتخط 90 مليار جنيه العام الجاري. 
في دراسة اقتصادية، أوضح مركز سياسات بديلة في الجامعة الأميركية، وجود مشاكل جوهرية في منظومة الدعم، تجعل من التحول السريع والحصري نحو الإعانات النقدية تهديدا لقدرة الفئات الفقيرة والشرائح المتوسطة على توفير الغذاء، بما يوجب على الحكومة الإبقاء على الدعم العيني، والنظر في تطبيق الدخل الأساسي الشامل كحل جذري للفقر في مصر.
أوضحت الدراسة المعدة من قبل نخبة من الأكاديميين والسياسيين، أن المساعدات النقدية المشروطة التي تقدمها الحكومة ضمن برنامج تكافل وكرامة تساعد نسبة صغيرة من الفقراء، وبشكل محدود، بقيمة تتراوح ما بين 620 و740 جنيها للأسرة شهريا. توكد الدراسة، التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، أن تلك المساعدات لا توفر الحد الأدنى الذي يحدده "خط الفقر المدقع" المعلن منذ 5 سنوات، عند 550 جنيها للفرد شهريا، بينما يجب رفعه إلى 2200 جنيه وفقا للأسعار الحالية. تشير الدراسة إلى أن الزيادات في أسعار الطعام والشراب التي ارتفعت بنسبة 73.6% في سبتمبر 2023، مقارنة بنفس الفترة من 2022، تستدعي زيادة مخصصات "تكافل وكرامة" للحد من انتشار الفقر المدقع، مع علاج المشاكل المتعلقة باستهداف الفئات المستحقة. 
تظهر الدراسة وجود 9.4 ملايين أسرة تحت خط الفقر في حاجة ماسة إلى استمرار الدعم عبر نظام "تكافل وكرامة"، بالتوازي مع استمرار دعم الخبز، باعتباره مصدر أمان اجتماعي، بعد ثبوت فشل الدعم النقدي في رفع مستوى المعيشة المستهدفة أو تحسين شبكة الأمان الاجتماعي، خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية. 
يطالب الخبراء بعدم استعجال الحكومة في إلغاء الدعم السلعي، لوقف توسيع دائرة المحرومين، مقابل برامج إعانات نقدية محدودة لا تعالج الأزمة بشكل هيكلي، والبحث عن إمكانية تنفيذ الدخل الأساسي الشامل كمنظومة دعم بتقديم معونات شهرية إلى كل المواطنين، وإصلاح نظام الضرائب لضمان مساهمة أكبر من الشرائح الأكثر دخلا، من أجل تمويل الدخل الأساسي الشامل.
يشير الخبير الاقتصادي في كتلة التيار الحر، تامر سحاب، إلى أن توجه الحكومة إلى تغيير نظام الدعم إلى نقدي هو أحد مطالب صندوق النقد الذي ألزمها بها، مقابل قرض الإصلاح الهيكلي الأخير، بقيمة 8 مليارات دولار. يؤيد سحاب التحول من الدعم العيني إلى نقدي، بشرط أن تجري دراسات جادة وأمينة ليستفيد منها من يستحق، دون أن تتم بطريقة عنيفة وغير مدروسة، بينما يمر الناس بظروف اقتصادية صعبة للغاية. 
خطورة إلغاء الدعم العيني
في مقابلة مع "العربي الجديد"، أكد سحاب خطورة إلغاء الدعم العيني، بينما منظومته غير منضبطة والتضخم يتزايد، ويحتاج الأمر إلى رويّة لإيجاد نظام فعال، مشيرا إلى أن الحكومة عندما رفعت سعر الخبز المدعم الشهر الماضي، لم توجه فائض الدعم الذي بلغ 13.2 مليار جنيه، إلى قناة دعم أخرى لصالح المواطنين، وفي الوقت نفسه ترفع يدها عن دعم خدمات الصحة والتعليم، بما يبين أن الأمر يجري بدون تخطيط في صالح المواطنين.
يحمّل عضو مجلس النواب السابق عبد الحميد كمال الحكومة مسؤولية فشل منظومة الدعم، مشيرا إلى انصياعها المستمر لتعليمات صندوق النقد، بما أدى إلى خفض وزن رغيف الخبز، وقصر الدعم التمويني على 50 جنيها للفرد، مع تقليل عدد المستفيدين، وتراجع عدد السلع الاختيارية من 18 إلى 4 أصناف. ينوه كمال إلى رفع الحكومة أسعار الخدمات الحكومية، التي تشمل الأوراق الثبوتية المهمة لكل فرد، مع خفض الدعم عن الوقود والكهرباء والمياه، فأصبحت تدير الدولة بمنطق رئيس الشركة، وليس حكومة تسعى للحفاظ على العدالة الاجتماعية وتوفير لقمة العيش للبسطاء، وتحمي الطبقة الوسطى من الانهيار.
يبدي عضو تيار 25-30 في البرلمان السابق، غضبه من رغبة الحكومة في الإسراع نحو الدعم النقدي، قائلا لـ"العربي الجديد": ستواجه البلاد كارثة اجتماعية إذا ألغت الدعم العيني، لأن المقابل النقدي لن يكون كافيا لمواجهة الزيادة المستمرة في أسعار السلع والخدمات، بما يزيد من نسبة الفقراء التي تبلغ حاليا 39% لتصبح 45% من تعداد السكان، مذكرا بأن غياب الثقة وحجب صوت الشعب والإعلام متعدد الأصوات، واستبعاد رأي الخبراء الاقتصاديين الذين وضعت أفكارهم في الحوار الوطني والمؤتمر الاقتصادي على مدار العامين الماضيين، يزيد الهوة بين حكومة نراها فشلت في أداء مهمتها وتريد الآن أن تقيم مشروعا بدون قدرتها على إدارة حوار مجتمعي حقيقي حوله، أو مواجهة محتكري السلع في الأسواق. 
يدعو كمال أجهزة الأمن القومي أن تجري تحريات ميدانية حول معاناة المواطنين مع الغلاء، ورصد مخاوفهم التي تدفعهم للغضب، وتثير مخاوف من انهيار الجبهة الداخلية. يشير كمال إلى أنه تنازل طوعيا عن حقه في بطاقة الدعم التمويني أثناء شغله عضوية البرلمان، وبعد أن انتهت المدة وأصبح المعاش الشهري لا يكفي، يبحث عن وسيلة تصون له كرامته في مواجهة الأزمة الاقتصادية، والاستفادة من دعم الخبز والسلع التموينية البسيطة، لافتا إلى أن مشكلته الخاصة تواجه ملايين المصريين الذين أجبرتهم الأزمة الاقتصادية حاليا على طلب استعادة الدعم من الدولة، بينما الحكومة ترفض حقهم الدستوري.
يؤكد رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ- الغرفة الثانية للبرلمان- هاني سري الدين، في بيان بعنوان "منظومة الدعم والعدالة المفترضة"، أن فاتورة الدعم غير قابلة للإلغاء، حيث لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمع مثل مصر من دون دعم محدودي الدخل".