نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرًا أعدته استعرض فيه الدمار والبؤس الذي تركته حملة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي على سيناء والتي تتلخص بالقتل والتغييب القسري والاختطاف بحيث خلفت منطقة مدمرة بعد 10 أعوام من “الحرب على الإرهاب” فيها.

وجاء في التقرير أن الرئيس السيسي أعلن في الذكرى الـ 12 لثورة 25 يناير أن سيناء التي دمرتها الحرب أصبحت طاهرة من الإرهاب وهذا “بسبب تضحيات الشرطة والجيش”.

وقاد قائد الانقلاب معركة سيناء في يونيو 2014، حيث خلفت مئات القتلى المدنيين وشردت الآلاف وقادت لاعتقالات تعسفية للمواطنين الذين احتجوا ضد الحرب التي لا تميز بين المدني والمسلح. كما وغيرت الطبيعة الجغرافية لشبه الجزيرة وتم تقريبا هدم وتسوية مدينة رفح المصرية.

ويشير الموقع إلى قصة باسل الذي كان عمره 12 عامًا عندما بدأ السيسي تلك الحرب. في يوم قائظ من شهر يوليو استيقظ على صراخ في بيته، عندما اكتشف أحد الغرباء جثة قريبه وأحضرها إلى البيت. وكان قريبه قد اعتقل على يد قوات مكافحة الإرهاب قبل خمسة أيام في مكان عمله بالعريش، شمال سيناء. وقال باسل: “لقد شاهدت جثته مغطاة بالدم الجاف، وملفوفة في كيس بلاستيكي أسود وبكدمات زرقاء وجراح على ظهره”. و”لم يكن أبدًا متطرفًا ولم يحمل السلاح، ولا زالت تلاحقني كوابيس تلك اللحظة، إلا أن عائلتي مضت في حياتها نظرًا لعدم وجود فرصة لتحقيق العدالة”. فعلى مدى عقد من الزمان وبسبب عدم توفر الحماية من الجيش، شهدت سيناء أسوأ عنف مر عليها في تاريخها وارتكبته الجماعات المتطرفة، بما في ذلك هجوم تنظيم الدولة على مسجد الروضة عام 2017 والذي قتل فيه أكثر من 300 مصل إلى جانب ترويع الأقباط في المنطقة”.

وفي بداية العشرية الأولى من القرن الحالي، أعلنت جماعة التوحيد والجهاد عن تحالف مع تنظيم القاعدة وشنت عدد من العمليات الإرهابية ضد منتجعات سياحية. وردت الدولة بحملة قمع ضد المتطرفين الذين وجدوا في فوضى انتفاضة 2011، لحظة مناسبة للانتقام من الشرطة والجيش. وفي تلك الفترة ظهرت جماعة أخرى وهي “أنصار بيت المقدس” التي تعود جذورها إلى التوحيد والجهاد، وقامت باستهداف أنابيب الغاز العابرة لإسرائيل والأردن. وبعد إطاحة السيسي بالرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب، في يوليو 2013 وما تبع ذلك من مجزرة ميدان رابعة في القاهرة، زادت “أنصار بيت المقدس” عملياتها في سيناء بحيث أصبحت يومية.

وقاد خلاف في عام 2014 بين “أنصار بيت المقدس” لإعلان غالبية عناصرها الولاء لتنظيم “الدولة”. وأطلقت على اسمها تنظيم الدولة الإسلامية- ولاية سيناء. وقاتل التنظيم الجيش والجماعات المسلحة الموالية للحكومة، مما قاد لمقتل آلاف المدنيين الذين قضوا في العمليات العسكرية ردًا على هجمات المتشددين. واعترف السيسي في خطاب ألقاه عام 2022 بمقتل 3,227 من الجنود المصريين أثناء قتال فرع تنظيم “الدولة”. إلا أن الجيش قال في بياناته الصحافية إنه قتل آلافًا من المسلحين والمتشددين. وقال مصدر أمني لموقع “ميدل إيست آي” إن سيناء اليوم آمنة للمدنيين والجيش على حد سواء. وقال المصدر: “نجحت مرحلة الحرب بسحق سرطان الإرهاب، ولم يستطع رئيس الوزراء زيارة شمال سيناء إلا في العام الماضي وبعد تأمينها. وقد بدأت مرحلة جديدة الآن لتنمية وإعادة إعمار المدينة”.

ويتذكر باسل الحياة في أثناء حرب السيسي ضد الإرهاب وكيف كانت متباينة مع حياة المدن في بقية البلد. وقال: “في الوقت الذي كانت فيه بقية البلاد تعيش بسلام، كنا نحن أطفال سيناء نعيش حظر تجول كل يوم وصوت إطلاق النار والغارات الجوية والهجمات بقنابل الهاون”. و”شاهدنا الاختطاف وقطع رؤوس الناس الذين نعرفهم، والمسيرات الإسرائيلية، والمسلحين الذين تجولوا في الشوارع، ونقاط التفتيش التي أقاموها وفوق كل هذا فقد عاملتنا الحكومة وكأننا مواطنون من الدرجة الثانية”.

وقال عامر (23 عامًا)، والذي يدرس سنته الأخيرة بجامعة العريش، إن حرب السيسي على الإرهاب كانت لا تميز، “حاولت الحكومة مكافحة الإرهاب الذي خلقته. وفي أثناء هذا وضعت كل مواطني سيناء في نفس السلة كمشبوهين”، و”أن تكون مشبوهًا، فإن أي مجند برتبة متدنية يمكنه إطلاق النار عليك وبدون سؤال”.

وفي الوقت الذي اعتبرت فيه عائلة باسل نفسها “محظوظة” لأنها عرفت مصير قريب واستطاعت تأكيد وفاته، هناك مئات من العائلات التي لم تعرف ما حدث لأعزائها. فقد تم اعتقال زوج أم حمدان، مزارعة في بساتين الزيتون والتين في مدينة الشيخ زويد، بشبهة مساعدة وإخفاء المسلحين في مزرعة قريبة في يوليو 2016، عندما رد الجيش على عملية انتحارية قتلت 23 جنديًا. وتقول المرأة البدوية إن زوجها اختفى منذ اعتقاله. وفتشت هي وأولادها عن والدهم في المشارح ومراكز الشرطة وثكنات الجيش. وقالت “الأمر لا يحتمل وليس عدلًا، لثماني سنوات لم نستمتع بالسلام أو الراحة وهو في السجن، والأسوأ أنه مات ودفن في مكان ما في الصحراء”.

وفي 2017 نشر الجيش فيديو مفبركا عن جنود وهم يداهمون بيتًا في العريش انتهى بمقتل أعضاء في تنظيم ولاية سيناء، مما أدى كما زعم لمقتل 14 شخصًا”. وانتشرت الكثير من الروايات حول الفيديو وأن معظم القتلى هم أشخاص اختفوا منذ وقت طويل. وفي ذلك الوقت نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش تقريرا قالت فيه إن “الشرطة اعتقلت بعض الرجال قبل شهر من الاشتباك المسلح في بيت شمال سيناء وإن الفيديو مفبرك”. ومنذ ذلك الوقت تتابع عائلات المختفين تصريحات الحكومة على أمل معرفة مصير أبنائها. وتقول أم حمدان “كل ما أطلبه هو إعادة جثته لو كان ميتًا، أنا مسامحة، وكل ما أريده هو دفنه في قبر”. ومن أجل حملة عسكرية ضد المسلحين شرد آلاف من أبناء القرى في رفح والشيخ زويد ضمن سياسة الحكومة تدمير البيوت في المنطقة باسم مكافحة الإرهاب. وتحولت المدينتان إلى محور حرب، حيث اختبأ المسلحون في المزارع المتفرقة والأرض اليباب. وتقدر “هيومان رايتس ووتش” أن ما بين 100 ألف إلى 450 ألفًا من السكان أصبحوا مشردين أو غادروا المنطقة منذ 2013.

وكان أحمد (27 عامًا) ممن أجبرت عائلاتهم على الرحيل، ويؤكد أن الحكومة لم تعوضهم عن البيت المهدم والمزرعة. ولم تحصل العائلة إلا على تعويض صغير وهو مبلغ خسر 40% من قيمته بسبب تعويم الجنيه في عام 2016. وقال “أخذت عائلتي إلى الإسماعيلية للعيش هناك كغرباء بعدما عاش أجدادي في رفح ولعقود. من المؤلم العيش بعيدًا عن بيتك”. ويعترف أحمد أن قوات الأمن والجيش استعادت السيطرة على المنطقة ولكن بأي ثمن، “ولم يعد المسلحون تهديدًا، لكن لماذا يبيعون أرض رفح للمستثمرين؟ ولماذا لا نعود إلى أرضنا التي قاتلت عائلاتنا وقاومت الإسرائيليين من أجلها؟”. وفعل أحمد وعائلته أمرًا تعمله العائلات الفلسطينية وهي أخذ مفاتيح البيوت علامة على العودة.

وعايش هشام، المصرفي من العريش، ما يصفه سكان المدينة بـ “حصار العريش 2108″، ففي تلك السنة حاصر الجيش المدينة في عملية ضد تنظيم “الدولة” ومنع الطعام والدواء والوقود من دخول المدينة وسكانها الـ 180 ألفًا. وقرر هشام مغادرة العريش مع عائلته إلى الإسكندرية، لم يكن الحصار السبب بل عملية انتحارية نفذها تنظيم “الدولة” بسوق في الشيخ زويد وشاهدها أبناؤه. وقال “ما أدهشني أن قلة من الناس في مصر تعرف بما يجري في سيناء. وكان علي أن أغير عنواني ورقمي الوطني لتجنب سماع عبارة: أه أنت من شمال سيناء يجب أن تكون إرهابيًا”. كما وتعرضت عائلات قبطية في العريش من قمع تنظيم “الدولة”، حيث ساعدت الحكومة العائلات على الفرار دون معالجة المشكلة.