رغم مرور 11 عامًا على أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013 والتي حملت معها وعودا بالرخاء والازدهار، يعاني المصريون اليوم من تفاقم الأزمات الاقتصادية التي باتت أكثر حدة من ذي قبل.

يواجه المصريون مشكلات متزايدة مثل انقطاع الكهرباء، وارتفاع الأسعار، وانهيار قيمة الجنيه المصري الذي تدهور من حوالي 7 جنيهات للدولار إلى نحو 48 جنيهًا، وتراجع مستوى الخدمات وارتفعت أثمانها.

مشروعات ضخمة في البنية التحتية
في فترة حكم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، شهدت مصر إطلاق العديد من المشروعات الضخمة في مجال البنية التحتية، مثل بناء الطرق والكباري، والقطارات الكهربائية وتطوير المرافق العامة، وإنشاء المدن الجديدة.

ورغم أن هذه المشروعات تهدف إلى تحسين جودة الحياة وجذب الاستثمارات، إلا أن التدهور الاقتصادي المتسارع يلقي بظلاله على هذه الإنجازات التي كانت تفتقر لدراسات الجدوى، بحسب خبراء ومحللين، ولا تدر أي عوائد وتمت بقروض محلية وخارجية.

وأقر السيسي، خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، بالقاهرة، أن المصريين يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة منذ 12 عاما.

حجم الإنفاق على مشروعات البنية التحتية
تم إنفاق عشرات مليارات الدولارات على مشروعات البنية التحتية، حيث أُعلن عن مشروعات ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والتي تعتبر من أكبر المشروعات العمرانية في تاريخ مصر. ومع ذلك، يتساءل الكثيرون عن الفوائد الاقتصادية الفعلية لهذه المشروعات في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.

بلغ إجمالي الإنفاق على مشروعات البنية التحتية في مصر حوالي 400 مليار دولار خلال السنوات الأخيرة، بهدف جذب الاستثمارات وتحسين جودة الحياة للمصريين من هذا المبلغ، وتم إنفاق حوالي 100 مليار دولار في السنوات السبع الماضية فقط على مشروعات البنية التحتية .

حجم القروض والديون
تزايدت ديون مصر الخارجية بشكل كبير منذ عام 2013. بلغت الديون الخارجية لمصر مستويات قياسية، ما زاد من الأعباء الاقتصادية على الدولة وأدى إلى زيادة الأعباء المالية على المواطن المصري البسيط.

انهيار الجنيه المصري
شهد الجنيه المصري تدهورًا كبيرًا في قيمته مقابل الدولار الأمريكي، حيث انخفض من حوالي 7 جنيهات للدولار في عام 2013 إلى نحو 48 جنيهًا للدولار في 2024.

هذا الانخفاض الحاد في قيمة العملة الوطنية أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات، ما أثر سلبًا على مستوى المعيشة للمواطنين.

التضخم والغلاء الفاحش
تعد نسبة التضخم في مصر من أعلى النسب في المنطقة، ما أدى إلى غلاء فاحش في أسعار السلع الأساسية والخدمات. ويعيش المواطن المصري تحت ضغط اقتصادي كبير نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القدرة الشرائية.

التركيز على العقارات وإهمال الإنتاج
ركزت الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة على تطوير قطاع العقارات والمدن الجديدة، مع إهمال القطاعات الإنتاجية الأخرى مثل الصناعة والزراعة. هذا التوجه أدى إلى نقص في الإنتاج المحلي والاعتماد بشكل أكبر على الواردات، ما زاد من العجز التجاري ورفع من مستويات الديون.

الاعتماد على المساعدات الخارجية
لجأت الحكومة المصرية إلى طلب المساعدات المالية والقروض من المؤسسات الدولية والدول الصديقة لإنقاذ الاقتصاد من الإفلاس. ورغم تلك المساعدات، فلا تزال مصر تواجه تحديات كبيرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام.

حجم الديون والقروض
وفقا لبيانات البنك المركزي المصري، اقترب الدين الخارجي لمصر من حوالي 170 مليار دولار في نهاية نهاية العام الماضي.

تكلفة خدمة الديون السنوية تبلغ حوالي تريليون و 834 مليار جنيه أي ما يعادل أكثر من 38 مليار دولار، وتمثل 47.4 من حجم مصروفات الموازنة
يتوقع البنك المركزي سداد أكثر من 60 مليار دولار خلال الفترة من 2025 إلى 2027، إجمالي استحقاقات خارجية خلال السنوات الثلاث المقبلة.

معدلات التضخم
وصلت معدلات التضخم السنوية في مصر إلى مستويات قياسية، حيث تجاوزت الـ41% في بعض الفترات الأخيرة.

تحرير سعر الصرف أدى إلى تراجع كبير في قيمة الجنيه المصري، حيث انهار من حوالي 7 جنيهات للدولار إلى حوالي 48 جنيهًا للدولار.

قيمة الصادرات
يعكس تدني قيمة الصادرات المصرية أزمة القطاع الخاص ومعاناة الصناعة في تحقيق تقدم يذكر، وبلغت صادرات مصر في 2013 حوالي 29 مليار دولار وبعد 11 عاما بلغت حوالي 43.6 مليار دولار فقط، وهي أقل زيادة متوقعة.

تراجعت قيمة الناتج المحلي الإجمالي، من حوالي 285 مليار دولار في عام 2013 إلى 208 مليارات رغم زيادتها بالعملة المحلية إلى 10.155 تريليون جنيه خلال عام 2022-2023 مقابل 2.130 تريليون جنيه خلال 2013-2014، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
أعاد نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي تداول منشور قديم للسيسي، يتحدث فيه عن مشروعات الطاقة التي لولاها لحدث انهيار حقيقي، إلى جانب حقيقة الوضع الاقتصادي الحالي.
من الإنجازات إلى الأزمات
في تعليقه على حصاد 11 عاما على 30 يونيو 2013، أوضح الخبير الاقتصادي، محمد النجار، أن "ما تحقق خلال 11 عاما من وما تم إنجازه من مشروعات تتعلق بالبنية التحتية لم تنعكس على حياة المواطنين كما كان متوقعا ويتم الترويج له وإن كان بعضها ساعد على تحسين وتسهيل عملية النقل والتنقل من خلال مشروعات الطرق والكباري".

واعتبر أن "الأزمة تكمن في ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي والذي أودى بنا إلى هذا الوضع السيئ؛ لأن القيادة والنظام الجديد ركزا بشكل أكبر على القطاع العقاري والذي لا يدر دخلا، وأهمل قطاع الإنتاج الذي يدر موارد متجددة للدولة ويحافظ على قيمة العملة واحتياطي البلاد".
ودلل على حديثه "بفشل الدولة في زيادة صادراتها طوال 11 عاما إلا بنسبة قليلة، كما أن أرقام الصادرات الحالية لا تتماشى أبدا مع حجم الإنفاق الكبير على البنية التحتية والتطلعات والوعود التي تم إطلاقها في مناسبات عديدة، مع وجود مشكلات يعاني منها القطاع الصناعي مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم استقرار سعر العملة وشح العملة الأجنبية".

ورأى أن "استشراء الفساد هو الوجه الآخر لعدم تحسن أحوال المصريين طوال تلك الفترة، وأكثر عقبة أمام جذب استثمارات أجنبية مباشرة تساهم في حدوث تنمية اقتصادية حقيقية".

لا إصلاح اقتصاديا دون إصلاح سياسي
يقول استشاري الاستثمار والاستراتيجيات، الدكتور مراد علي، إن "السبب الحقيقي للوضع الاقتصادي المصري المتردي والذي يئن تحت وطأة الديون والأزمات هو مصادر المستقبل في مصر اقتصاديا وسياسيا والتخلي عن ثروات البلاد وأصولها وتدمير العملية التعليمية وتسليعها، وتنفير رجال الأعمال وحملهم على نقل استثماراتهم إلى الخارج والكوادر والكفاءات".

وأضاف : "كل الأرقام الرسمية والدولية تؤكد أن البلد تعاني من فشل اقتصادي كبير وغير مسبوق وغياب أي إصلاح اقتصادي حقيقي تفسر الوضع الصعب للمصريين وزيادة نسبة الفقر وصعوبة الحياة اليومية وعودة مسلسل الأزمات سواء في ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدني الأجور وانهيار العملة وتضخم الديون".

ورأى مراد أن الأخطر "هو تجفيف أي أمل في المستقبل من خلال عقد اتفاقات جائرة تصادر موارد البلاد وأصولها التي لا يمكن تعويضها، وإضافة أعباء ديون على الأجيال المقبلة، ومصادرة حقوقها في تلقي تعليم يساعد على الإبداع والابتكار، وتطوير مهاراتهم لمواجهة تحديات العصر، ما يؤدي إلى تراجع مستوى الكفاءة والإنتاجية في المجتمع بأسره".

في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، يبقى السؤال حول مدى فعالية السياسات الاقتصادية الحالية وقدرتها على تحقيق الأهداف المعلنة. ومع تزايد الأزمات والتحديات الاقتصادية، فيبدو أن الطريق نحو الاستقرار والازدهار لا يزال طويلا وشاقا.