رصد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أخيراً إعداد أسر في جنوب قطاع غزة وجبة واحدة تكفي ليوم أو يومين، وأخرى في الشمال وجبة لمدة ثلاثة أيام. ويشير ذلك إلى أن أزمة نقص الغذاء بلغت ذروتها وقد سجل وفاة أطفال جدد جراء الجوع في غزة.
تتعالى صرخات الغزيين يومياً من مواجهة الجوع، وتزايد شدّته عليهم في كل محافظات القطاع في ظل غياب المساعدات الإنسانية، باستثناء تلك التي توفرها منظمات دولية وتنقلها شاحنات قليلة لا تكفي لأي شيء فعلياً. وأصبحت الأسر في غزة تحصر غذاءها اليومي بوجبة واحدة قد تكفي ثلاثة أيام كما يحصل في المناطق الجنوبية والشمالية، حيث تنتشر الظاهرة بمعدل أسرع. وخلال أسبوع واحد، سجل مستشفى كمال عدوان في منطقة مشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة وفاة 4 أطفال بسبب التجويع وسوء التغذية ومنع المساعدات الغذائية المتعمدة عن المنطقة الشمالية، الأمر الذي يرفع عدد ضحايا التجويع إلى نحو 40 في قطاع غزة، من الأطفال الذين وصلوا إلى المستشفيات والمراكز الصحية فقط منذ بدء العدوان، منهم 30 طفلاً من المنطقة الشمالية.
قبل عيد الأضحى، سمح الجانب الإسرائيلي بإدخال بضائع عبر معبر كرم أبو سالم من أجل ترويج فكرة أنه يستجيب لمطالب المجتمع الدولي في هذا الشأن، كما أعلنت الولايات المتحدة أنها أعادت تسهيل إدخالها المساعدات من خلال الرصيف البحري. لكنّ غزيين موجودين قرب المنطقة المطلة على هذا الرصيف قالوا إن "الجيش الأميركي الذي يتركز مع الجيش الإسرائيلي في الموقع لا يزال يجهّز الرصيف البحري، ولم يشغّله رغم أنه كان أعلن أنه باشر هذا الأمر سابقاً".
وفي المنطقة الجنوبية، تقلّصت بشكل كبير كميات المساعدات الغذائية الموزعة. يقول عبد العزيز محمد (43 عاماً) الذي حصل على صندوق احتوى على معلبات ثم تشاجر مع موظفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وأيضاً مع الناس، لأنه انتظر مساعدات منذ الصباح، ثم جاء الجميع إلى الموقع في وقت واحد، وسادت الفوضى بالكامل بسبب غياب إجراءات تنظيم صف الطابور، لـ"العربي الجديد": "اشتداد الجوع على الجميع وعدم تحملهم له يدفعانهم إلى فعل أي شيء في مواقع توزيع المساعدات، وكنت أنا نفسي جائعاً وأريد إطعام أبنائي".
يتابع: "احتوى الصندوق الذي حصلت عليه على معلبات وعلبة حلاوة وأرز وسكر. وعندما عدت إلى الخيمة وجدت أن الكمية كانت أقل من المفترض، فأخبرت زوجتي بأن تعد طعاماً يمكن تغطيته بأكياس نايلون في ظل عدم وجود وسائل تبريد، وتخبئته في حفرة داخل الخيمة كي لا يتعرض للشمس، ويبقى ضمن درجة حرارة معقولة من أجل تناوله في اليوم التالي".
ويشير أيضاً إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي أدخل بضائع بشكل استفزازي عبر تضمينها ملصقات وضعت عليها خريطة فلسطين وهي محتلة بالكامل مع الجولان السوري، ومن دون قطاع غزة، في وقت لا نملك فيه أساساً المال لشراء أي بضائع، ونضطر إلى انتظار المساعدات لأننا جائعون. من هنا يبدو واضحاً أن ما يحصل تعذيب متعمد وجوع مقصود وإهانة لكرامة الإنسان الفلسطيني وسط تخاذل العالم".
ويوضح أن "مساعدات الفترة الأخيرة اقتصرت على معلبات وأكياس دقيق وعلب حلاوة طحينية وزيت للقلي، وهي أقلّ مما كانت عليه في الفترات الماضية. وجرى توزيعها على مدار أيام، وحصلت بعض العائلات على صندوق واحد صغير كل أسبوع. ونحن مجبرون في ظل الفقر وعدم امتلاك الطعام على تنظيم الغذاء بحسب الكمية التي نتلقاها لإعداد طبق واحد وتقسيمه على يومين أو ثلاثة".