بحسب هيئة البث الإسرائيلية "كان" فإن "ديفيد" شارع أمني بالدرجة الأولى وشيد ليعزل جنوب غزة كاملاً عن مصر، وهذه خطط الجيش الإسرائيلي لبناء منطقة عازلة حول القطاع لكن الإدارة الأميركية تعارضها.
على بعد 200 متر فقط من محور فيلادلفيا (الطريق الأمني الذي يفصل بين قطاع غزة ومصر) دشنت إسرائيل ممراً جديداً يمكنها من ضبط الأوضاع الأمنية على الحدود مع شبه جزيرة سيناء، ويتيح لها مزايا كثيرة وهو ما أطلقت عليه "طريق ديفيد".
وبمجرد أن بدأ الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية في محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة وبعد أن تمكنت القوات البرية من السيطرة على محور فيلادلفيا، شرعت الفرق الهندسية العسكرية في شق الطريق الجديد.
ويبدأ مسار "ديفيد" من معبر كرم أبو سالم التجاري أي من أول نقطة للحدود الإسرائيلية - المصرية - الفلسطينية ويتمد حتى يصل إلى شاطئ البحر، أي على طول الحدود وهذه أيضاً مواصفات محور فيلادلفيا.
حل عجيب
ويبلغ طول "ديفيد" 13 كيلومتراً وهو طول محور فيلادلفيا نفسه ويبعد الطريق الجديد عن السياج الأمني الفاصل بين قطاع غزة وسيناء نحو نصف كيلومتر فيما يبعد عن محور فيلادلفيا الأمني 200 متر فحسب.
وشيد ممر "ديفيد" على أراضي قطاع غزة ولتمهيده نسفت إسرائيل جميع المنازل التي تقع في المنطقة، وبحسب بلدية رفح فإن تلك البقعة كانت تضم نحو 1900 وحدة سكنية، واقتطع الجيش مساحة كيلومتراً واحداً من مساحة المحافظة الصغيرة لأجل هذا الشارع.
ويقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة "ما نفذته إسرائيل لأجل تمهيد شارع يعد جريمة وأفعالاً عبثية، إذ سوت البيوت السكنية بالأرض لأن الجيش يتوهم أن هناك أخطاراً أمنية وفي أية حال فإن ما يقوم الجيش يخالف اتفاق (كامب ديفيد)".
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية "كان" فإن "ديفيد" شارع أمني بالدرجة الأولى وشيد ليعزل جنوب غزة كاملاً عن مصر، وهذه خطط الجيش الإسرائيلي لبناء منطقة عازلة حول القطاع لكن الإدارة الأميركية تعارضها.
ووصف "ديفيد" بأنه الحل العجيب لإسرائيل إذ بعد تدشينه تكون تل أبيب قد أخرجت محور فيلادلفيا ومعبر رفح البري من الخدمة بصورة نهائية، وكذلك قضت على منطقة سراديب تحت أرضية لـ"حماس" ومنعت التهريب وأنشأت طريقاً موازياً يمكنها من المراوغة قانونياً وأمنياً وعسكرياً، ويسهل عليها ضبط الحدود.
نقل معبر رفح
وبمجرد تجهيز "ديفيد" حرق الجيش الإسرائيلي معبر رفح ومرافقه بالكامل، ووفقاً لإذاعة الجيش فإن هذا المنفذ دمر ولم يعد صالحاً للاستخدام في عمليات العبور لذا جرى تحويله إلى ثكنة عسكرية للجنود.
وتفيد إذاعة "الجيش" الناطقة بالعبرية بأن المؤسسة الأمنية لديها خطط لتغيير مكان معبر رفح أو إلغاء المنفذ كلياً وخلق ممر سفر جديد سيكون في شارع "ديفيد" وأيضاً ملاصقاً للحدود الإسرائيلية وقريباً من معبر كرم أبو سالم، ليسهل التحكم به بصورة دائمة حتى لو جرى الانسحاب من قطاع غزة.
ويقول الباحث السياسي ثائر طه "تواجه إسرائيل توتراً حاداً في العلاقات مع مصر بسبب اجتياح محور فيلادلفيا وهناك شبهات أن الجيش اخترق اتفاق (كامب ديفيد) وملحق فيلادلفيا، وخوفاً من مراجعات قانونية شيد طريق (ديفيد)".
ويضيف طه "لكن الطريق الجديد يخرج إسرائيل من أية التزامات في اتفاقات السلام إضافة إلى ذلك فإن محور فيلادلفيا يحتاج تأهيله أمنياً وتزويده بوسائل تكنولوجية وعسكرية وقتاً طويلاً، وهنا وجد الجيش أن طريق (ديفيد) سيسهل القبضة الأمنية حتى الانتهاء من تأمين محور فيلادلفيا".
ويوضح أن الطريق الجديد غير مربوط بأية اتفاقات بما يتيح للجيش الإسرائيلي حرية الحركة والتنقل فيه بأعداد ضخمة على غير الحال في محور فيلادلفيا، كما يسمح للجيش بتنفيذ مناورات وكذلك القيام بأنشطة عسكرية بكل حرية، بينما كان كل هذا ممنوعاً في فيلادلفيا.
لدواع أمنية
ووفقاً لمعلومات طه فإن إسرائيل تخطط لتدشين معبر جديد للمسافرين بدلاً من معبر رفح ومن المقرر بحسب ما أفصحت عنه إذاعة الجيش الإسرائيلي أن يكون هذا المنفذ على طريق "ديفيد"، أي من دون أي اتفاق مع الجانب الفلسطيني أو المصري.
ويشرح قائلاً "معبر رفح جرى تدشينه بناء على اتفاق أوسلو بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عام 1993 ويحكمه أيضاً اتفاق المعابر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ومصر والاتحاد الأوروبي، وكذلك يخضع للسيادتين الفلسطينية والمصرية وحاولت إسرائيل إعادة تشغيله لكن جميع الأطراف رفضت ذلك مع وجود الجيش، حينها وجدت المؤسسة الأمنية أن أفضل الحلول يتمثل في تدشين معبر (ديفيد) في الطريق الجديد نفسه".
ويشير طه إلى أن المعبر الجديد لن يكون ضمن اتفاقات وهذا ما تريده إسرائيل ليبقى تحت سيطرتها ومن خلاله تتحكم في سجلات المسافرين. لكنه يتساءل عن آليات التعامل مع مصر في ملف سفر سكان غزة من المعبر الجديد وطريق "ديفيد"، ويعتقد أن تل أبيب تحاول تغيير طبيعة جغرافيا القطاع.
ويعتقد طه أن شارع "ديفيد" هدفه أيضاً خلق منطقة عازلة وأمنية مما يجعل مساحة القطاع صغيرة ومحدودة. وفي الواقع ترفض الولايات المتحدة ذلك وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في وقت سابق إن "من غير المسموح احتلال غزة عسكرياً أو تغيير جغرافيا القطاع، ونرحب بتدشين مناطق أمنية لكن على الأراضي الإسرائيلية".
ولا تختلف فكرة شارع "ديفيد" عن محور نتساريم الذي تسميه إسرائيل طريق "749" الذي شيدته أيضاً داخل غزة ليفصل شمال القطاع عن جنوبه، ويكون ثكنة عسكرية ونقطة انطلاق عمليات للجيش في أي وقت حال وجود ضرورة أمنية.
ومن الجانب الفلسطيني رفضت "حماس" التعليق على طريق "ديفيد" وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحكومة الفلسطينية لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري أكد أنه "لأغراض أمنية، وأنه يسهم في حماية إسرائيل من هجمات الفصائل".