تحل اليوم 5 يونيو  الذكرى السنوية 57 لـ"نكسة يونيو"، وهو يوافق وقع حرب مدمرة يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، يرى الفلسطينيون أنها الأشد قسوة عليهم من حرب عام 1967 التي تم خلالها احتلال القطاع وقتل وتشريد أعداد كبيرة منهم.

و"نكسة يونيو" هو مصطلح أطلقه العرب على الحرب التي اندلعت في 5 يونيو/ حزيران عام 1967 أو "حرب الأيام الستة"، حيث وقعت صدامات عسكرية بين إسرائيل من جهة، وكل من مصر وسوريا والأردن والعراق من جهةٍ ثانية، وبمساعدة فنية من لبنان والجزائر والسعودية والكويت.

وآنذاك، مثلت القضية الفلسطينية عنصراً أساسياً في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي جسّدته هذه الحرب، إذ كانت الأراضي الفلسطينية التي لم تحتلّها إسرائيل عام 1948، تخضع آنذاك لإدارتين عربيّتَين، الأولى مصرية مسؤولة عن قطاع غزة، والثانية أردنية مسؤولة عن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

وخلال الأيام الستة التي دارت فيها رحى الحرب، احتلّت إسرائيل الضفة وغزة، وشبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية.

وقال مؤرّخون إن إسرائيل نهبت المناطق التي احتلّتها عام 1967، واستغلّت مصادرها المائية والاقتصادية، ما ساهم في دعم اقتصادها.

وتتكرر بعض مشاهد النكسة من نزوح وتدمير ممنهج لأحياء سكنية، فيما يجمع الفلسطينيون أن الحرب الحالية تبقى الأشرس والأقسى منذ عام 1967.

وتشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول حربا مدمرة على غزة بدعم أمريكي مطلق، خلفت أكثر من 119 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.

وتواصل إسرائيل هذه الحرب متجاهلة قرارا من مجلس الأمن يطالبها بوقف القتال فورا، وأوامر من محكمة العدل بوقف هجومها على رفح، واتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، و"تحسين الوضع الإنساني" بغزة.

** "حرب إبادة جماعية"

المسن الفلسطيني محمد بيان عبد الوهاب (80 عاما) عاش حرب يونيو/ حزيران 1967، ولكنه يرى أنه "لا يمكن مقارنة الحرب الحالية بتلك الحرب. ما نعيشه اليوم هو إبادة جماعية وليس حرب".

ويضيف عبد الوهاب، وهو معلم متقاعد: "كنا نروي لطلابنا في المدارس حكاية النكبة والنكسة ونتحسر على ما فقدنا في الحربين، لكن ما أعيشه اليوم مع مئات الآلاف من الفلسطينيين هنا من تشرد ونزوح وما شاهدناه من قتل لآلاف الأطفال والنساء لم تشهده القضية الفلسطينية على مر التاريخ".

ويتابع المسن الفلسطيني، الذي نزح من مدينة غزة ويقيم حاليا في خيمة متهالكة بمنطقة المواصي غربي مدينة خان يونس: "لقد شاهدنا أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ والشباب تعجن تحت أنقاض منازلهم وجيش الاحتلال دمر كل شيء في القطاع ولم يعد هناك منطقة صالحة للسكن بأي شكل وهذا لم يحدث في حربي 1948 و1967".

ويرى عبد الوهاب، أن ما كان مختلفاً أيضاً في هذه الحرب "المقاومة الفلسطينية الشرسة التي ألحقت خسائر كبيرة في قوات الاحتلال وهو ما لم يحدث بهذه الصورة من قبل".

** الحرب الأشرس

من جانبه، يقول الفلسطيني محمد رضوان (77 عاما)، الذي عاش حرب حزيران، إن الحرب الحالية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة هي "الأشرس".

وأضاف للأناضول: "عشنا حالة التهجير والنزوح والقتل في السابق، لكن ما نعيشه اليوم لم يمر علينا مثله من حيث الشراسة في القتل والدموية وحالة التدمير الانتقامي".

وذكر أن مشهد التوغل الإسرائيلي في مناطق مختلفة من قطاع غزة لم يختلف كثيرا عن مشاهد الاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام 1967، وما رافقه من حالة تدمير وقصف وقتل.

واستكمل: "رؤية الآليات الإسرائيلية العسكرية وهي تجوب شوارع مدينتنا، ورفع الأعلام الإسرائيلية على بعض المباني والمناطق السكنية تدمي القلوب".

وفي 27 أكتوبر الماضي، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية برية في مناطق مختلفة من قطاع غزة.

وعام 2005 انسحبت إسرائيل من داخل قطاع غزة لكنها حاصرته، وتحكمت في حدوده البرية والبحرية والجوية، قبل أن تحكم قبضتها العسكرية عليه بعد أحداث 7 أكتوبر الماضي.

**تطهير عرقي

بدورها، تقول الفلسطينية مها سلامة (59 عاما) التي تجلس أمام خيمتها بمدينة دير البلح وسط القطاع، بعد رحلات نزوح متعددة، إن وجه التشابه بين الحربين الحالية والنكسة هو حالة "التطهير العرقي للفلسطينيين".

وتضيف للأناضول: "إسرائيل وخلال حروبها تعمد لإجراء تحولات ديمغرافية داخل الأراضي المحتلة، وهو ما حدث خلال احتلالها لغزة والضفة من خلال عمليات الترحيل القسري للفلسطينيين من منازلهم وأرضهم، وهو ما حدث اليوم أيضا حينما أجبرت بقوة السلاح الفلسطينيين على النزوح من مناطق سكنهم إلى مناطق أخرى".

واستكملت قائلة: "والبعض نزح نحو خارج القطاع، ترافقهم التخوفات الكبيرة بعدم العودة إلى منازلهم".

ووفق إحصائيات فلسطينية، ترتّب على "النكسة" تهجير نحو 300 ألف فلسطينيّ من الضفة وغزة؛ معظمهم نزح إلى الأردن.
و2 يونيو/ حزيران الجاري، قال المكتب الإعلامي الحكومي إن عدد النازحين في قطاع غزة بلغ نحو مليوني نازح (داخل القطاع) بفعل الحرب من أصل 2.4 مليون نسمة.

ولأكثر من مرة طالب وزراء إسرائيليون بإعادة بناء المستوطنات في قطاع غزة، كان أحدثها لوزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير اليوم في مايو/ أيار الماضي، حينما دعا على "إعادة توطين اليهود في قطاع غزة، ومغادرة سكان القطاع الفلسطينيين منه".

كما تحدث إعلام إسرائيلي، في أكثر من مرة، عن خطة يعمل بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتنفيذ "الهجرة الطوعية" لسكان قطاع غزة إلى دول أخرى.

**جرائم القتل والتدمير

من جانبه، يقول فتحي أبو مرزوق (63 عاما)، إن الحرب الدائرة اليوم في قطاع غزة هي استمرار لنهج وحرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني والتي بدأتها إسرائيل عام 1948.

وأضاف للأناضول: "إسرائيل تحاول تصفية القضية الفلسطينية وسرقة الأرض من خلال ارتكاب جرائم القتل للفلسطينيين وتدمير مناطقهم، غير آبهة بالقانون والقرارات الدولية".

وأوضح أن إسرائيل، في هذه الحرب، لا تتوقف عن إظهار ملامح الإبادة الجماعية للفلسطينيين سواء من خلال "قتلهم بشكل جماعي بمجازر دموية، أو التدمير المتعمد والممنهج للمنازل والبنى التحتية، أو تجويعهم وتعطيشهم ومنع مصادر الغذاء عنهم وحصارهم بشكل عسكري وقاس".

واستكمل قائلا: "هذا ما حدث عام 1967 حينما هدمت إسرائيل قرى فلسطينية لإجبار سكانها على النزوح منها وإخلائها".

ويقول بصوت حزين: "تبقى هذه الحرب الأقسى والأشرس على الفلسطينيين، حيث ترتكب إسرائيل يوميا مجازر بحق الفلسطينيين، وتمحو عائلات كاملة من السجل المدني بعد قتلهم بشكل جماعي".

وأعرب عن تخوفاته من استمرار هذه الحرب لأشهر أخرى، قائلا: "لم يعد لدينا قدرة على تحمل هذه الجرائم التي يقف العالم صامتا أمامها".

ويرفض أبو مرزوق النزوح خارج القطاع قائلا: "سنبقى صامدين هنا ولن نكرر أي مأساة حلت بنا في السابق، وإن كبرت أوجاعنا".

وتواجه إسرائيل تهم إبادة جماعية، حيث رفعت جنوب إفريقيا في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2023، دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية على أساس أنها انتهكت اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع الإبادة الجماعية.

**نهب وسرقة

الفلسطينية ربا محمد (26 عاما)، التي تعيش في خيمة بمدينة دير البلح بعد أن نزحت من مدينة غزة، تقول إن قوات من الجيش الإسرائيلي نهبت وسرقت مصاغ وأموال أحد أقربائها، بعد أن تركها في منزله وفر هاربا من حمم القصف الذي ضرب منطقة سكنه.

وأضافت للأناضول: "التاريخ يعيد نفسه، هذا ما عهده الفلسطينيون على الإسرائيليين، الذين لا يتوانون عن سرقة الأموال أو الأراضي أو الخيرات الزراعية والمائية".

وفي فبراير/ شباط الماضي، كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أن الجيش استولى على 200 مليون شيكل من أموال السلطة الفلسطينية، كانت في بنك فلسطين بمدينة غزة.

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن الجيش الإسرائيلي سرق أموالا ومصاغا ذهبية من القطاع، قدر قيمتها بنحو 25 مليون دولار، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.


(نافذة مصر + الأناضول)