من الخطأ أن يركز الناس على مآسي أهل غزة وما يعانونه في ظل العدوان الصهيوني من قتل وإصابات وهدم للبيوت وتدمير للممتلكات ونزوح عن الديار، وكذلك ما يعانيه القطاع من تدمير لكافة مقومات الحياة من البيوت والمستشفيات ودور العبادة والمؤسسات والطرق، بينما لا يتم التركيز على ما يعانيه العدو الصهيوني من ذلك، وإظهار ما يعانيه من ألم اقتصادي، ومأساة اجتماعية، إضافة إلى قتلاه وجرحاه وخسائره العسكرية الباهظة طوال ثمانية شهور من عدوانه على قطاع غزة.

وكشفت معطيات رسمية إسرائيلية، اليوم الأربعاء، أن 17 ألفًا و825 إسرائيليًا تلقوا علاجًا في مراكز إعادة تأهيل النفسي والطبيعي خلال الأشهر الثلاث الأولى بعد هجوم "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي.

وفي ذلك اليوم، هاجمت حماس قواعد عسكرية ومستوطنات بمحاذاة قطاع غزة، فقتلت وأسرت إسرائيليين؛ ردًا على "جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى"، وفق الحركة.

 

التأهيل النفسي والطبيعي

وتم الكشف عن حصيلة مَن تلقوا العلاج في بيان صدر عن الكنيست الأربعاء. وقالت ميراف بيليج غاباي وروني بلانك، من مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، لأعضاء اللجنة إنه يوجد 15 مركزًا نشطًا لإعادة التأهيل في إسرائيل (للعلاج النفسي والطبيعي)، بينها 5 في منطقة محيط غزة.

وأضافا أنه "تم إنشاء جميع المراكز كجزء من الجهود المبذولة لتوفير الرد على التهديد الأمني"، على حد قولهما.

وكشفا أنه "منذ اندلاع الحرب (على غزة في 7 أكتوبر) وحتى نهاية ديسمبر الماضي، تلقى 17 ألفًا و825 شخصًا علاجًا واحدًا على الأقل في مراكز إعادة التأهيل".

وهذا العدد يمثل "ضعف مَن تم علاجهم بمراكز إعادة التأهيل خلال الأشهر التسع الأولى من 2023، وهم 7 آلاف و380، وثلاثة أضعاف مَن عولجوا في هذه المراكز في 2022 بأكمله، وهم 5 آلاف و148"، حسب غاباي وبلانك.

وأفادا بأن "حوالي 76 بالمئة مَن الذين تم علاجهم من جنوبي إسرائيل، ونحو 4.5 بالمئة من الشمال"، ولافتًا إلى أن العلاج ممول من الوزارات ومؤسسة التأمين الوطني وصناديق المرضى.

وخلال العامين الماضيين، وفق غاباي وبلانك، ارتفعت ميزانية نشاط مراكز إعادة التأهيل من 5.6 ملايين دولار إلى 8.1 ملايين دولار.

وزادا بأنه بعد اندلاع الحرب، تم تخصيص مبلغ إضافي قدره 6.3 ملايين دولار لمراكز إعادة التأهيل، وجرى تخصيص 31.1 مليون دولار في ميزانية 2024.

 

انكماش اقتصاد إسرائيل

ومن عيادات التأهيل النفسي إلى انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 1.4 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الأول 2024، وسط استمرار تبعات حرب غزة على مفاصل الاقتصاد.

يأتي انكماش الاقتصاد على أساس سنوي في الربع الأول، بعد انكماش آخر بنسبة 21.7 بالمئة في الربع الأخير من 2023 والذي تزامن مع اندلاع الحرب على قطاع غزة.

وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1 بالمئة على أساس سنوي.

أرقام مكتب الإحصاء، أضافت أعباء إضافية على الحكومة الإسرائيلية التي حاولت زيادة الإنفاق في السوق المحلية، ضمن جهود لتقوية الاقتصاد المحلي المتأثر من تبعات الحرب والتوترات في الشمال مع حزب الله.

وارتفع الإنفاق العام في إسرائيل بنسبة 7.1 بالمئة في الربع الأول الماضي على أساس سنوي، بعد ارتفاع غير مسبوق بنسبة 86 بالمئة في الربع الأخير 2023، ويرجع ذلك أساسا إلى الإنفاق الدفاعي.

 

توقعات نمو متشائمة

وبينما توقع بنك إسرائيل -المتحفظ على الإنفاق الحكومي الواسع- نمو الاقتصاد المحلي بنسبة 2 بالمئة في كامل 2024، إلا أن توقعات صندوق النقد الدولي، الصادرة في إبريل الماضي، كانت أكثر تشاؤمًا.

ويتوقع صندوق النقد نمو اقتصاد إسرائيل بنسبة 1.6 بالمئة خلال العام الجاري.

لكن وبحسب الإحصاء الإسرائيلي، فإن الاقتصاد المحلي سيكون فعليًا بمرحلة انكماش طالما تقل نسب النمو عن 2.1 بالمئة، مع الأخذ بعين الاعتبار الزيادة الطبيعية للسكان، أي أن النمو الصفر للاقتصاد يبلغ 2.1 بالمئة.

كان اقتصاد إسرائيل نما بنسبة 2 بالمئة في كامل 2023، مقارنة مع 6.8 بالمئة في 2022، ونمو بنسبة 8.6 بالمئة في 2021، وانكماش بنسبة 1.9 بالمئة في عام كورونا 2020.

 

قطاع التكنولوجيا

الشهر الماضي، كشف تقرير صادر عن معهد الأبحاث RISE Israel أن الاستثمار في قطاع التكنولوجيا في إسرائيل انخفض بنحو 30 بالمئة منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة.

ويستعرض التقرير صناعة التكنولوجيا المحلية في ظل الحرب، إذ يصف التراجع في الاستثمار بالقطاع، بأنه "مثير للقلق"، ويدعو إلى تفعيل حالة طوارئ في القطاع.

وكان معدل الاستثمار هو الأدنى منذ عام 2017، ومع احتساب ارتفاع مؤشر الدولار أمام الشيكل، فأرقام الاستثمار تعتبر الأدنى منذ عام 2015.

يقول التقرير: "كما أن عدد المستثمرين المحليين والأجانب آخذ في الانخفاض، وكذلك المشاعر تجاه إسرائيل من جانب العمال والمستثمرين في قطاع التكنولوجيا العالمية تتراجع".

وبحسب الرقم الوارد في التقرير، بلغ إجمالي الاستثمار في الربع الأخير 2023، نحو 1.7 مليار دولار، وفي الربع الأول 2024، نحو 1.6 مليار دولار.

ويمثل الرقمان تراجعًا بنسبة 31 بالمئة مقارنة بالربعين اللذين سبقا الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر، وبتراجع 34 بالمئة مقارنة بالربع الأخير 2022 والربع الأول 2023.

 

تدهور السياحة

في إبريل الماضي، وهو شهر عيد الفصح في إسرائيل، تم تسجيل عدد قليل من السياح القادمين إلى إسرائيل، بعدد لم يتجاوز 81.2 ألف سائح، وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء المركزي.

بينما في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، تم تسجيل 287.9 ​​ألف سائح قادم، يمثلون فقط 22 بالمئة من إجمالي السياحة الوافدة على أساس سنوي.

كذلك، كان هناك انخفاض كبير في السياحة الصادرة من إسرائيل خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري، إلى 1.68 مليون شخص، مقارنة بـ 2.787 مليون في الفترة المقابلة من العام الماضي.

وفي 2022، دخل إسرائيل 2.67 مليون سائح، وفي 2023 دخل 3.01 ملايين سائح، في وقت كانت التوقعات تؤشر لزيارة 3.9 ملايين.

وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، الأربعاء، ارتفاع حصيلة الحرب الإسرائيلية إلى 36 ألفًا و171 شهيدًا، و81 ألفًا و420 مصابًا، منذ 7 أكتوبر الماضي.

وإجمالًا، فهناك أكثر من 117 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.

ومنذ 18 عامًا تحاصر إسرائيل قطاع غزة، وأجبرت حربها نحو مليونين من سكانه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد في الغذاء والماء والدواء.

وتتجاهل إسرائيل قرارًا من مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار فورًا، وأوامر من محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، وتحسين الوضع الإنساني بغزة، ووقف العمليات العسكرية في رفح جنوبي القطاع.