قُتل وأُصيب عدد من المدنيين الفلسطينيين بينهم أطفال ونساء، الأحد 25 مايو 2024، إثر غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم للنازحين بمنطقة البركسات (تل السلطان) شمال غربي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

وقالت قناة الجزيرة الفضائية، اليوم الاثنين، إن قصف الاحتلال على المخيم تسبب في ارتقاء 55 شهيدًا وعشرات المصابين. فيما أفادت وسائل إعلام فلسطينية أن الاحتلال استهدف المخيم  بـ8 صواريخ على الأقل.

وأظهرت مقاطع فيديو، محاولة الفلسطينيين انتشال الجثامين من المخيم محترقة وأطفال بلا رؤوس مع انتشار النار في كل مكان داخل المخيم.

ويقع المخيم ضمن مناطق حددها الجيش الإسرائيلي مسبقا على أنها آمنة، ودعا النازحين إلى التوجه إليها، ولم يصدر أي بيانات أو تحذيرات للنازحين وسكان المنطقة لإخلائها.

وتأتي مجزرة رفح بعد يومين من قرار محكمة العدل الدولية إيقاف الهجوم العسكري الإسرائيلي في رفح فورًا.

 

جحيم على الأرض

ومع جلاء الليل تبين حجم الدمار الكبير الذي لحق بالمنطقة، جراء استهداف قوات الاحتلال لتلك المنطقة التي تؤوي عددًا كبيرًا من النازحين، الذين فضلوا البقاء في المنطقة، لعدم تلقيهم بلاغات عسكرية كمناطق شرق ووسط رفح بالإخلاء القسري، حيث تعتبر منطقة الاستهداف من المناطق الآمنة.

وفي تلك المنطقة امتزجت الدماء بقطع الخيام البلاستيكية، التي كانت تؤوي تلك الأسر قبل المجزرة، وتناثرت بعض أشلاء الضحايا في المكان، فيما تركت الصواريخ حفرًا كبيرة في الأرض، كما ظلت النيران مشتعلة في المكان حتى صبيحة اليوم الثاني.

وفي مشفى الكويت، وهو الوحيد الذي يعمل في مدينة رفح، وضع المصابون على أسرة العلاج وفي الطرقات، لعدم كفاية المكان لاستيعاب هذا العدد الكبير من المصابين، وكان من بين المشاهد المؤلمة، أم مصابة بجروح غائرة في اليد اليمنى ومناطق أخرى من جسدها، وهي تحضن طفلها الذي لا يتجاوز عمره العامين، خلال قيام الفريق الطبي بإجراء غيار على جرح له في الرأس.

وقال شاب نجا من المجزرة وخرج بإصابة في القدم “فجأة نزلت علينا الصواريخ، وحسبت فجأة رجلي راحت”.

وفي المشفى صرخ رجل مسن وبكى بحرقة حين أبلغ بخبر استشهاد حفيده وقال “حسبي الله عمره بس ثلاث سنين”.

وقال الشاب حسام صالح الذي يسكن على مقربة من المكان، "إنه جرى انتشال ضحايا وقد تفحمت أجسادهم من الحريق، وإن بعضهم أطفال كانوا مبتوري الأعضاء أو قطعت رؤوسهم، لافتًا إلى أنه وغيره الكثير ممن حضروا للمساعدة انتشلوا جثامين من داخل الخيام المحترقة بصعوبة بالغة، مؤكدًا أن من بين الضحايا من مات حرقًا داخل خيمة النزوح".

ومن جهتها اعتبرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، أن الصور المروعة من المجزرة الإسرائيلية في رفح جنوب قطاع غزة، هي دليل على أن غزة "جحيم على الأرض".

وقالت الأونروا في منشور عبر منصة "إكس" إن "المعلومات الواردة من رفح عن مزيد من الهجمات على العائلات التي تبحث عن مأوى مروعة". وأضافت: "تحدثت تقارير عن سقوط عدد كبير من الضحايا بينهم أطفال ونساء".

وأكدت الوكالة أن "غزة جحيم على الأرض، وصور الليلة الماضية هي دليل آخر على ذلك". وأشارت إلى أنها لا تملك "خط اتصالات مع موظفيها في المنطقة".

وقالت: "لا نقدر على تحديد موقعهم، ونحن قلقون للغاية على سلامتهم هم وجميع النازحين الذين يحتمون في هذه المنطقة". وختمت بالتأكيد على أنه "لا يوجد مكان آمن، ولا أحد في أمان" في غزة.

 

استهداف مقدسات قطاع غزة

وتعتبر مجزرة إسرائيل على مخيم النازحين بمنطقة البركسات (تل السلطان) برفح واحدة من مئات المجازر البشعة التي تمارسها إسرائيل ضد المدنيين والنازحين من أهالي قطاع غزة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء القطاع.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، الاثنين، ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية إلى "36 ألفًا و50 شهيدًا، و81 ألفًا و26 إصابة" منذ 7 أكتوبر الماضي.

وعلى جانب آخر، يتباهى الجنود الإسرائيليون منذ اندلاع الحرب بنشر مقاطع مصورة توثق انتهاكاتهم في القطاع المحاصر للعام الـ18 على التوالي ويسكنه نحو 2.3 مليون فلسطيني.

وآخر هذه المقاطع التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي كانت لإحراق جنود إسرائيليين مساجد ونسخ من القرآن الكريم إضافة لإحراق مكتبة جامعة الأقصى إحدى أكبر جامعات القطاع، وفقًا لوكالة "الأناضول".

والخميس، قالت إذاعة جيش الاحتلال: "جندي إسرائيلي في غزة وثَّق نفسه وهو يرمي القرآن في النار". ونشرت الإذاعة، على حسابها بمنصة "إكس"، المقطع المصور ومدته 3 ثوان، ولم تحدد موقع الحادث ولا تاريخه.

ويُظهر المقطع جنديًا يحمل سلاحه بيده اليسرى ويمسك بالأخرى نسخة مفتوحة من القرآن الكريم ثم يلقيها في نيران مشتعلة، كما نشر جنود بالجيش الإسرائيلي، الخميس، صورة لإحراق أحد مساجد في قطاع غزة.

وفي نفس اليوم، تداول جنود إسرائيليون وحسابات إسرائيلية صورة لجندي إسرائيلي يحمل كتابًا والنار تشتعل من خلفه في مكتبة جامعة الأقصى إحدى أكبر المكتبات الجامعية بقطاع غزة.

وسبق ذلك في 15 مايو الجاري، نشر الجيش الإسرائيلي فيديو يوثق تفخيخ ونسف مسجد في القطاع، دون ذكر أي تفاصيل حول اسمه أو موقعه أو وقت تفجيره.

وتكررت نشر هذه المقاطع المصورة المسجلة عدة مرات سواء من الجيش الإسرائيلي بشكل رسمي أو من جنوده الذين يشاركون في عمليات التفجير.

ويضاف إلى ذلك استهداف الجيش الإسرائيلي بشكل واسع بالقصف الجوي لمئات المساجد في أنحاء القطاع، وفق بيانات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية والمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.

كما قصفت الطائرات الإسرائيلية 3 كنائس في مدينة ودمرتها بشكل جزئي، ما أسفر عن مقتل عدد من المسيحيين وإصابة آخرين كانوا نازحين في هذه الكنائس.

وأعلنت وزيرة الدولة الفلسطينية لشؤون وزارة الخارجية والمغتربين فارسين اغابيكيان شاهين، الثلاثاء، أن إسرائيل قتلت 3 بالمئة من المسيحيين في قطاع غزة منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر الماضي.

وجاء حديث شاهين خلال لقائها بمدينة رام الله وفدا من منظمة كنائس من أجل السلام في الشرق الأوسط (CMEP)، برئاسة مديرتها التنفيذية القسيسة ماي إليز كانون، وفق بيان للخارجية الفلسطينية.

وقالت الوزيرة إنه "منذ بداية الحرب قتل الاحتلال 3 بالمئة من المسيحيين في قطاع غزة، ويهدم الكنائس ويستمر في التضييق عليهم (المسيحيين) في الضفة الغربية".

ولم تحدد شاهين عدد المسيحيين القتلى، ويعيش في غزة نحو 1200 مسيحي من أصل حوالي 2.3 مليون فلسطيني، حسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا).

وفي 18 مايو الجاري، قالت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في قطاع غزة، إن "الاحتلال يواصل انتهاك جميع المحرمات الدينية والإنسانية والقوانين الدولية باعتدائه المتواصل على قطاع غزة، وتدميره البيوت والمستشفيات والمنازل والمساجد والكنائس وكافة دور العبادة".

 

تدمير 604 مساجد بالأرض تدميرًا كاملاً

وأضافت الوزارة، في بيان، أن "صواريخ وقنابل الاحتلال الإسرائيلي سوّت 604 مساجد بالأرض ودمرتها تدميرًا كاملًا، بالإضافة إلى تضرر 200 مسجدٍ بأضرار جزئية بليغة، وتدمير 3 كنائس".

وتابعت أن "الاحتلال استهدف 60 مقبرةً منتشرة في محافظات غزة، ونبش القبور، وسرق أكثر من 1000 جثمان من جثامين الأموات والشهداء ومثّل بها بعد قتلهم بطرق همجية وحشية".

وذكرت أن "الاحتلال الإسرائيلي دمّر 15 مقرًا تابعًا للوزارة وعلى رأسها المقر الرئيس للوزارة، ومقر إذاعة القرآن الكريم التابعة لها، ومديرية أوقاف خانيونس، ومركز الآثار والمخطوطات، ومدرسة الأوقاف الشرعية، وكلية الدعوة".

ووفقًا لإحصائية الأوقاف، فإن عدد القتلى الذين سقطوا من موظفي الوزارة والدعاة وصل إلى 91 شهيدًا.

وحمّلت الوزارة، إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية كامل المسؤولية عن سياسة استهداف المساجد ودور العبادة والنساء والأطفال والشيوخ.

بدوره يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة، إسماعيل الثوابتة: "دمر جيش الاحتلال خلال حرب الإبادة الجماعية على غزة 604 مساجد بشكل كلي، و200 مسجًدا بشكل جزئي إضافة إلى استهدافه وتدميره لـ 3 كنائس".

ويضيف الثوابتة للأناضول: "كان تدمير هذه المساجد والكنائس من خلال حرقها ونسفها وإلقاء صواريخ وقنابل عليها يزن بعضها ألفي رطل من المتفجرات، مما أدى إلى تدميرها بشكل مباشر وعنيف، بما يدل على حقد وإجرام الاحتلال".

ويتابع الثوابتة: "هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الاحتلال الإسرائيلي المساجد والكنائس بالقصف والتدمير والحرق والنسف، لكنها الأعنف".

وذكر أن "جريمة الاحتلال باستهداف وهدم المساجد وكذلك الكنائس أخفى صوت الأذان من عشرات الأحياء المنتشرة في الأوقاف، وأوقف طرق أجراس الكنائس أيضًا".

واعتبر أن "استهداف المساجد والكنائس يعبر عن حالة الإفلاس والعجز التي وصل لها الجيش، وكذلك الحقد وكراهية الأديان الأخرى وإلغاء مفاهيم التسامح والتقارب التي لا يؤمن بها هذا الاحتلال المجرم".